قبيلة بني عامر (الملالحة) وحكايتها مع السلطان أيبك وإقطاعهم سكرير - قبيلة بني عامر

قبيلة بني عامر (الملالحة) وحكايتها مع السلطان أيبك وإقطاعهم سكرير


قبيلة بني عامر (الملالحة) وحكايتها مع السلطان أيبك
وإقطاعهم سكرير
بقلم الباحث : حسام أبو العوايد العامري



قبيلة بني عامر الدوسية قبيلة عربية عريقة تمتد جذورها بعيداً في التاريخ , تنتسب للصحابي الجليل أبو هريرة عمير بن عامر الدوسي (1) . وعامر جد القبيلة هو من سلالة أبو هريرة رضي الله عنه , موطنهم الأول الحجاز وتحديداً في العقيق جنوب المدينة المنورة .

وقبيلة بني عامر الدوسية (الملالحة) - أحفاد الصحابي الجليل أبو هريرة الدوسي- متواجدة في ديار غزة منذ أمد بعيد , يعود لعصر الفتوحات الإسلامية , حيث ينقل المستشرق الألماني "أوبنهايم" من مصادر مختلفة: " أن وجود بني عامر (الملالحة) في منطقة سكرير غير واضح زمنياً. وهم ينتسبون إلى جدهم الصحابي أبي هريرة , وقبره يقع في يبنى " . (2) (3)

قلت : أبوهريرة توفي بقصره سنة ( 57هـ - 677م) في العقيق فحمل إلى المدينة المنورة (4) . ويذكر الحنبلي (ت 927هـ - 1521م) : " وليس هو المدفون بقرية يبنى التي هي من أعمال مدينة غزة , (ويعني به أبو هريرة) وإنما بعض ولده " (5) , وهذا يدل على وجود سلالة الصحابي أبو هريرة في هذه الديار - أي: ديار يبنى وسكرير وروبين – قديماً .

وينقل مؤرخنا فايز أبو فردة العامري (6) عن الرحالة لويس موزيل في معرض حديثه عن قبيلة بني عامر (الملالحة) :
" لقد سبقوا السكان في الاستقرار بين النهر وطويل الأمير , وهم من أسلاف أبي هريرة , وقبره يزار سنوياً من قبلهم , وقد شكلوا وجوداً واحداً متجانساً . أعداد خيامهم قليلة ... " (7)

ولقبيلة بني عامر (الملالحة) والسلطان المملوكي عز الدين أيبك حكاية , وهذه الحكاية من موروثات القبيلة المتواترة التي يرويها المعمّرون منهم وتناقلتها الأجيال, وهي قولهم :
" اقطعنا هذه البلاد بين يافا واسدود والرملة والبحر المعز بن صالح " . (8)

قلت: قولهم "اقطعنا" لا ينفي أنهم سكنوا هذه الديار من قبل , ولكن هذا تاريخ استقرارهم بها .

والواضح البين أن قوم أبو هريرة قد سكنوا بفلسطين منذ الفتح الإسلامي , وقد وردت نصوص كثيرة تؤكد وتثبت ذلك , جمعها الأخ الباحث الأستاذ سلمان المزروعي العامري (9) , نورد منها :
فقد ذكر ابن أبي الدنيا (ت 281هـ - 894م)  في كتابه "الجوع" أذ يقول : " حدثنا عبد الرحمن بن واقد ، قال : حدثنا ضمرة ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أنه رأى قومه بفلسطين ، فأتوه بالرُّقَاق (10) الأول ، فلما رآه بكى ، فقيل له : يا أبا هريرة ما يبكيك ؟ فقال : ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه حتى فارق الدنيا " . (11)

وورد كذلك أن قوم أبو هريرة بالرملة من أرض فلسطين , فقد ذكر الواقدي (ت 207هـ -822م ) ناقلاً عن ابن اسحق : أن أبو هريرة رضي الله عنه ، جاء إلى الشام ليزور قومه ، فوجدهم وقد هجم عليهم القبط فوجد آثارهم ثم سار ومعه حليف له من بجيلة وصلوا إلى شاطئ البحر ، وعندما عولوا بالرجوع وإذا بلوح في البحر تعلب به الأمواج وعليه شخص وإذا به ابن عم أبو هريرة ، فهنأه على السلامة وأخبرهم بما حدث ، وذهبوا عائدين ، ونقل أبن عم أبو هريرة قومه وجاء بهم إلى الرملة . (12)

ونعود لحكايتهم مع السلطان المملوكي عز الدين أيبك , وقد نقل الحكاية عنهم المستشرق الألماني أوبنهايم في كتابه "البدو" , يذكر أوبنهايم : "تقول حكايات القبيلة إن الملالحة حصلوا في زمن الحروب الصليبية على خربة سكرير من معز بن صالح حاكم يبنى " . (13)

قلت : معز بن صالح : هو السلطان المملوكي الأول عز الدين أيبك , والمعز لقبه , وابن صالح , لأنه كان مملوكاً للملك الصالح نجم الدين أيوب , نُسب إليه وليس ابنه (14) , عمل جاشنكيراً (15) ووصل لرتبة أمير , وبالرغم أن المؤرخين يعتبروا أيبك مملوك لكنه في الحقيقة كان أميراً في بلاط الصالح أيوب وليس مملوك (16) . وتلقب أيبك بن عبد الله الصالحي النجمي عز الدين التركماني "بالملك المعز" , وقد حكم من سنة ( 648-656هـ ) (1250-1258م) . (17)

وخربة سكرير أو (صقرير)  تحريف بلدة شكرون الكنعانية , وذكرت في كتب الأقدمين باسم السكرية , كانت منزلاً ينزله المماليك في طريقهم من مصر إلى سورية وبالعكس . (18)

وقد أقطع السلطان عز الدين أيبك قبيلة بني عامر (الملالحة) البلاد بين يافا واسدود والرملة والبحر . عندما كان والياً على يبنى حوالي العام 642هـ (1244م) . في نهاية الحكم الأيوبي . زمن الحروب الصليبية  .

ففي زمن الأيوبيين كانت تستقر قبيلة بني عامر في سيناء وهذا ما يثبته المؤرخ فايز أبو فردة العامري (19) , ففي العصر الأيوبي كان للصليبيين حصون على طول الساحل الفلسطيني . وفي عام 642هـ (1244م) وقعت بالقرب من غزة معركة حاسمة بين الصليبيين والقوات المتحالفة معهم وبين جيش الملك الايوبي الصالح نجم الدين انتهت بهزيمة الصليبيين شر هزيمة . حتى أطلق المؤرخون عليها " حطين الثانية" . (20)
وبعد هذه الحادثة يذكر المقريزي في كتابه السلوك ضمن حوادث سنة 642هـ (1244م) : " واستولت نواب الملك الصالح نجم الدين على غزة والسواحل ..." (21) . ومن تولى ولاية يبنى عز الدين أيبك .



فعز الدين أيبك عندما كان والياً على يبنى , جاء بقبيلة بني عامر من سيناء , إذ كانت القبيلة متواجدة في سيناء خلال تلك الفترة كما ذكرنا .وأقطعهم سكرير والبلاد بين يافا واسدود والرملة والبحر .

وهناك من يورد قصة طريفة لسبب إقطاعهم لتلك البلاد , وتبدأ عندما كان المعز بن صالح والياً على يبنى ، جاء القراصنة إلى شاطئ البحر وأخذوا زوجته سبيّة إلى قبرص ، عندما علم الوالي بالخبر تبعهم متخفياً لإعادتها ، وعند وصوله إلى قبرص أَلِف قصّاباً وامتدت بينهم المودة والمعرفة ، فشكا الوالي إليه ما ألمّ به ، وكشف له أمره فوعده القصّاب بالمساعدة والبحث عن زوجته . وكان لهذا القصاب ابن في حرس قصر أحد الأمراء ، فأخبرهم بعد بحث أنّ المرأة التي يبحثون عنها أصبحت من جواري الأمير ، فطلب المعز من الحارس أنْ يوصله إليها ، وقد كان له ذلك ، إلّا أنها رفضت الهرب والعودة معه ، وهددته بإخبار الأمير (الحاكم) بأمره إنْ عاود ذلك .
وبعد عودة المعز إلى القصّاب تشاورا فيما بينهما ، وقرّ قرارهم على قتل المرأة والحاكم . وقد نفذوا ذلك ليلاً وركبوا قارباً كان معداً تحت جنح الظلام واتجهوا إلى شاطئ يبنى في فلسطين .
ومن هناك أرسل المعز صديقه القصاب إلى عرب الملالحة في سيناء وأسكنه بينهم حتى تهدأ الأمور وتستقر .

يقول مؤرخنا فايز أبو فردة العامري معلقاً على الحادثة : كان ذلك في فترة الحروب الصليبية وما تبعها من قرصنة ، وقد كانت قبرص مركزاً لبقايا الصليبيين ، وقد حاولوا أنْ يقضّوا مضاجع المسلمين وكانوا يرسلون سفنهم تجوب البحر ، ويظهر بأنّهم في إحدى الجولات قد قابلوا زوجة والي يبنى وأخذوها أسيرة أو سبيّة . وخوفا على القصاب بعد اكتشاف المذبحة في قبرص وافتضاح أمره أبعده المعز إلى الملالحة في سيناء لئلا يقع في أيدي القراصنة وينتقموا منه . (22)

وتذكر القصة أنه بعد ذلك بمدة وتكريماً لقبيلة بني عامر (الملالحة) استقدمهم المعز إلى منطقته وأقطعهم سكرير والبلاد بين يافا واسدود والرملة والبحر . فهم مستقرون في هذه البلاد منذ القرن السابع الهجري .

وخلال العهد العثماني يرد ذكر (سكرير) مركز بني عامر في الدفاتر العثمانية , وكانت قرية عام 15961597م, تسكنها 10 أسر فقط , وتقدم ضريبة قدرها (14,3%) من نتاجها , وهذه نسبة قليلة إذا ما قيست بما تدفعه القرى الأخرى (33,3%) من انتجاها (23) . وهذا يدل على رعاية العثمانيين واحترامهم وتقديرهم لهم كونهم ذرية الصحابي الجليل أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه . ويدعم هذا قول اوبنهايم في معرض حديثه عن قبيلة بني عامر : "وفي ظل الحكم العثماني تمتعوا بامتيازات مختلفة " . (24)

وفي العهد العثماني كذلك , ونظراً لوقوع مناطق قبيلة بني عامر (الملالحة) ضمن نطاق القرى فقد اعتبروا فلاحين , ولذا الزمتهم الدولة العثمانية بالجندية , أو دفع الضرائب بدلاً من ذلك , ففرت عائلات منهم واتجهت إلى سيناء وجنوب بلاد بئر السبع , وبعض الأشخاص خدموا في الجندية واستشهد منهم وفقد آخرون . (25)


واستمر القسم الأكبر منهم في بلادهم وأرض أجدادهم سكرير وروبين وما حولها , حتى العهد البريطاني المشؤوم , ومن ثم قامت العصابات الصهيونية قبل انسحاب البريطانيين من فلسطين بتدمير بيوت قبيلة بني عامر (الملالحة) وهدمها على من فيها (26) , وهكذا تم تهجيرهم من أرض أجدادهم وتشتيت شملهم ,فمنهم من بقي في فلسطين لاجئاً ومهجراً في قطاع غزة والضفة الغربية , ومنهم من شرد إلى شرق الأردن ومصر وبقاع الدنيا .

كتبه الباحث : حسام أبو العوايد العامري
الأردن
2013-3-7
...........................................
الـمراجـع:
(1) (الذهبي , شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان , سير أعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة, بيروت , ط3 , ج2 , ص 578 ) . (ابن الكلبي , نسب معد واليمن الكبير , ج2 , ص 493 ) .
(2) (اوبنهايم , البدو , تحقيق ماجد شبر , دار الوراق , لندن , ط 2 , 2007م , ج2 ص 147 ) . (الحموي , ياقوت , معجم البلدان , دار صادر , بيروت , 1977م , ج5 , ص428 ) .
(3) أبو فردة , فايز بن أحمد , من تاريخ القبائل في الأردن وفلسطين , دار ابن الجوزي , عمّان , 2005 , ق1 , ص 119 .
(4) العسقلاني , ابن حجر , الإصابة في تمييز الصحابة , تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي , مركز هجر للبحوث , القاهرة , ط1, 2008م , ج13 , ص 58 .
(5) الحنبلي , مجير الدين , الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل , عمّان , 1973م , ج1 , ص 263 .
(6) أبو فردة , مصدر سابق , ق1 , ص 124 125 .
(7) Amusil , Arabia petraea , band 3 , 30 , p 1989
(8) أبو فردة , مصدر سابق , ق1119 .
(9) من أبحاث الباحث الأستاذ سلمان المزروعي العامري على الشبكة , بحث بعنوان " نسب قبيلة بني عامر " .
(10) الرُّقَاق : الخبز المنبسط الرقيق .
(11) ابن أبي الدنيا, أبي يكر عبد الله بن محمد , الجوع , تحقيق محمد خير رمضان يوسف ,  دار ابن حزم , بيروت , ط2, 2000م , ص 157- 158 .
(12) الواقدي , أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد , فتوح الشام ، دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1997م , ج2 ص68 .
(13) اوبنهايم , مصدر سابق , ج2 , ص 147 .
(14) أبو فردة , مصدر سابق , ق1119 .
(15) الجاشنكير :هو المسئول عن أكل وشرب السلطان , فهو ذواق أكل وشرب السلطان للتأكد من خلوه من السم .
(16) (المقريزي , السلوك لمعرفة دول الملوك , دار الكتب , القاهرة 1996م , ج1 , ص 463) . (بيبرس الدوادار , زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة , جمعية المستشرقين الألمانية , الشركة المتحدة للتوزيع , بيروت 1998م . ص 6 )
(17) (أبو فردة , مصدر سابق , ص 119 ) . (الزركلي , خير الدين , الأعلام , ج1 , ص 32)
(18) الدباغ , مصطفى مراد , بلادنا فلسطين , دار الهدى , ط 1991م , ق2 , ج1 , ص189.
(19) أبو فردة , مصدر سابق , ق1 , ص 120.
(20) أ.د فاروق فوزي وأ.د محسن حسين , الوسيط في تاريخ فلسطين في العصر الإسلامي الوسيط , دار الشروق , عمّان , ط1 , 1999م , ص 217 .
(21) المقريزي , السلوك لمعرفة دول الملوك , تحقيق محمد عطا , دار الكتب العلمية بيروت , ط1 , 1997م , ج1 , ص 420 .
(22) أبو فردة , مصدر سابق , ق2 , ص 228 وما بعدها .
(23) أبو فردة , مصدر سابق , ق1 , ص 121 .
(24) اوبنهايم , مصدر سابق , ج2 , ص 147 .
(25) أبو فردة , مصدر سابق , ق1 , ص121. وأبو فردة ينقل عن رواية الحاج إبراهيم أبو ربيع العامري .
(26) الدباغ , مصدر سابق , ق2 , ج1 , ص191 .

ليست هناك تعليقات