القهوة العربية بقلم عبد الكريم الحشاش العامري
القهوة العربية
بقلم عبد الكريم الحشاش العامري
القَهْوَةُ: من أسماء الخمر، قيل سُمّيت بذلك لأنّها
تُقْهِي، أي تذهب بشهوة الطعام، وأقْهَى الرَّجلُ، إذا قلَّ طُعمُهُ، قال المرقّش
الأصغر:
وما قهوة صهباء كالمسك ريحها *** بأطيب من فيها إذا جئت
طارقاً
تعلّ على الناجود طوراً وتقدحُ *** من الليل بل فوها
ألذُّ وأنصحُ
وقال رجلٌ من بهراء:
ألا عللاني من سلافة قهوةٍ *** أظنُّ خيولَ المسلمين
وخالداً
تسلي هموم النفس من جيّد الخمرِ *** ستطرقكم قبلَ
الصباحِ من البشرِ
أمّا في أيّامنا هذه فالقهوة تعني مغليّ البنّ، والمقهى:
مكان عام تُقدّم فيه القهوة والشاي ونحوها من الأشربة .
يروى أنّ أوّل من إكتشف القهوة المتّخذة من البنّ
المجلوب الذي ينبت في اليمن هو الشيخ الصالح العارف بالله تعالى أبو بكر بن عبد
الله الشاذلي المعروف بالعيدروس المتوفّى عام 909 للهجرة ، وكان أصل إتّخاذه لها
أنّه مرّ في سياحته بشجر البنّ فاقتات من ثمره حين رآه متروكاً مع كثرته، فوجد فيه
تخفيفاً للدماغ وإجتلاباً للسهر وتنشيطاً للعبادة، فاتّخذه قوتاً وطعاماً
وشراباً،وأرشد أتباعه إلى ذلك،ولا زال يطلق على البكرج الذي تغلى فيه القهوة اسم
الشاذلي في بعض مناطق الشام ومصر ، ثمّ انتشرت القهوة في اليمن ثمّ في بلاد الحجاز
ثمّ في الشام ومصر، ثمّ سائر البلاد، وأختلف العلماء في أوائل القرن العاشر للهجرة
في القهوة ، حتّى ذهب إلى تحريمها جماعة منهم الشيخ شهاب الدين العيثاوي الشافعي،
والقطب بن سلطان الحنفي، والشيخ أحمد بن عبد الحقّ السنباطي تبعاً لأبيه ،
والأكثرون ذهبوا إلى أنّها مباحة .
أمّا في الغرب فلم تُعرف القهوة في أوروبا إلاّ في القرن
السابع عشر للميلاد، وفي أوائل ذلك العصر فتح أوّل مكان لشرب القهوة في إستامبول
ثمّ في فينّا ثمّ في إنجلترا عام 1652م وألمانيا وفرنسا وباقي جهات أوروبا، وقد
أراد شارل الثاني أن يغلق المقاهي في إنجلترا لأنّها مصدر للمشاغبات السياسيّة،
ومركز لتحريض الشعب ضدّ الحكومة، ومنبع للحركات المخلّة بالأمن، ولكن هذا وذاك لم
يحولا دون إنتشار القهوة، فانتشرت حتّى كاد لا يخلو منها مكان فوق البسيطة .
ويقدّر البعض أنّ أصل القهوة من الحبشة ويعزى اسمها إلى
قرية صغيرة فيها تدعى "كفا"، وينبت البنّ هناك من تلقاء نفسه، وانتقل من
الحبشة إلى اليمن، وأنتشرت من اليمن إلى باقي الأصقاع في جنوب بلاد العرب، وبلغت
جاوه، فسيلان، فسورينام 1781 فجاميكا، فجزر الهند الغربية فالبرازيل وأمريكا
الجنوبية .
وشجرة البن دائمة الخضرة، ترتفع ما بين مترين إلى خمسة
أمتار، والتقليم الجيد يفيدها في الإحتفاظ بجودة الشكل كما يجعلها لا تعلو كثيراً
بل تبقى في متناول اليد ليسهل جني ثمارها، والورقة على شكل رأس الحربة، وتنمو
الأوراق في أزواج متقابلة على الساق، والسطح العلوي للورقة أكثر أخضراراً منه على
السطح السفلي.
تزرع شجرة البن عادة بالبذور، وتعدّ من أفضل النباتات،
وتوضع في مشاتل حتى تبلغ عامها الأول، وسرعان ما تظهر بعد ذلك الشجيرات الصغيرة
التي تشتل بعدئذ في البساتين حتّى تثمر، وتحظى شجرة القهوة بكثير من الاهتمام
نظراً لأهميتها التجارية الكبيرة .
وتزهر شجرة البن حين تبلغ ثلاث أو أربع سنوات، والزهرة
أنبوبية الشكل, وتظهر في آباط الأوراق حيث تنمو في مجاميع كثيفة، وشجرة البن
المزهرة آية في الروعة والجمال رغم أنّ الأزهار لا تبقى إلاّ أياماً قليلة .
وثمرة البن بيضاوية الشكل، لونها في بداية تكوينها أخضر
داكن، تنضج في غضون ستة أو سبعة أشهر، فيتحوّل لونها إلى الأصفر فالأحمر القرمزي،
وثمار البن تشبه إلي حد كبير ثمار الكرز المعروفة في الحجم والشكل واللون حتى إن
كثيراً ما يطلق عليها إسم كرزات, والجلد الأحمر لكرزة البن يغلف لبّاً حلواً تكمن
بداخله حبتان من البن، والحبتان مغلفتان بغشاء داخلي رقيق يسمى الرقّ، وهناك غطاء
رقيق أخر إسمه الجلد الفضي, وحبوب البن لها شكل مميز، وأحد وجهيها مفلطح أمّا
الآخر فيشبه القبّة، وأحيانا تحوي الكرزات حبة واحدة، ويطلق عليها إسم أعناب
بازلائية، وهي ثمينة بسبب النكهة التي تتميز بها القهوة التي تصنع منها ويتم جني
الثمار يدويّاً، ويستغرق وقتاً أطول، لأنّ الكرزات لا تنضج كلها في وقت واحد,
والكرزات الناضجة هي التي تجنى فقط، لذا تطول فترة جني الثمار، إذ تستغرق أسابيع
ريثما يتم نضج جميع الكرزات إلى الحد الذي يسمح بجنيها .
وتفصل الحبوب عن القشرة واللب والأغشية الرقيقة والجلد
الفضي في المعامل الخاصّة، وبعد ذلك تصنّف الحبوب إلى عدة أصناف، وتعبّأ في أكياس
للتصدير سعة الكيس حوالي 132 رطلاً، وأفضل الأكياس المصنوع من الليف .
ورغم أنّ القهوة حديثة العهد إذ أنّ إكتشافها لا يتجاوز
خمسة قرون، إلاّ أنّها تعدّ دليل أصالة وعراقة، والمداومة على صنعها يدلّ على طيب
المحتد، ويوصف من إعتنى بها «ما تطفي ناره» وأشتهر ابن سعيد وهو من شيوخ العزازمة
من عشائر بئر السبع بدلاله وبكارجه بإعتنائه بالقهوة لدرجة أنّ بعضهم أخذ يحلف بها
فيقول:وحياة بكارج ابن سعيد ! ومن شروط البيت الذي تحلّ فيه المشاكل، وتجري فيه
مراسم القضاء أو ربط العلم أن تدار فيه القهوة، فقالوا: في ديوان وبكرج مليان
" حتّى لو كان القاضي نفسه لا يشرب القهوة لعلّة مرضيّة، يصنعها ويسقيها
للجلوس، ويشترك المحلّية أو المعازيب في إحضار القهوة إلى الديوان، فتوضع في كيس
أو جراب، وهم يتفنّنون في إعدادها، ويضيفون إليها البهارات مثل حبّ الهان وجوزة
الطيب والزنجبيل والعنبر، وقاعدة صنعها: أمرشها مرش، وأجرشها جرش، وأطبخها طبخ الهرش"
أي لا تحرقها في الحمس، وأجعل طحنها خشناً وأطبخها جيّداً، فلحم الهرش لا ينضج من
الطبخ الهيّن، وفي بداية إعدادها تُسمّى «البكر» أو «الراس» أمّا إذا أضيف إليها
حين توشك على الإنتهاء ماء جديد وبنّ، وأعيد غليها تُسمّى «ثنوة» حتّى إنّهم قالوا
في وصف الرجل الغشيم في تذوّقها: ما يعرف الثنوة من الراس" وتدار القهوة حسب
السنّ، الأكبر فالأصغر، تُصبّ أوّلاً للضيوف إن وجدوا حسب السنّ أيضاً، ثمّ تُدار
على المعازيب وقالوا: القهوة خصّ والشاي قصّ " فالشاي يصبّ من اليمين إلى
اليسار على التوالي: إبدأ باليمين حتّى لو كان أبو زيد على اليسار" أمّا
القهوة فيخصّ بها البعض، وإذا كان هناك أمراء أو شيوخ متساوون في المنزلة فيمكن أن
يحضر لكل واحد منهم ساقٍ وفنجان، وتصب لهم القهوة في وقت واحد، وهناك عادة أن
الزعيم أو القائد يصبّ له في فنجان ثمّ يكسر هذا الفنجان كي لا يشرب فيه أحد غيره،
فهو نسيج وحده.
وتُصبّ القهوة الجاهزة (الوالمة) للضيف عند نزوله، ثمّ
تُعدّ له قهوة جديدة خاصّة، ويُصبّ له في بعض المناطق فنجانان، الأوّل هيف،
والثاني كيف، أمّا الفنجان الثالث فهو محبّة المحلّي للضيف، أو إحترام للضيف، على
أنّ الكميّة المصبوبة في الفنجان قليلة، بالكاد تبلّ الشفتين واللسان، وهي رشفة
(جغمة) أو رشفتان فقانون القهوة «الكيف على روس الشفايف» وفي بعض مناطق بلاد الشام
والجزيرة يظلّ القهوجي يصبّ إلى أن يهزّ الشارب الفنجان، وقد لا يرتوي الشارب كما
يقول الشاعر ناصر بن عبد الكريم :
خمسة عشر فنجال لحنيف صبّيت *** لو كان بطنـه قربـةٍ قـد
ملاهـا
فرد عليه الشاعر حنيف بن سعيدان المطيري بقوله:
لا تحسب أنّي من دلالـك تقهويـت *** يا موصّي الحرمة على
صكّة البيت
قلّلت في طبخهـا وكثـّرت ماهـا *** تقول مـــا أنتـه
فيـه وأنتـه وراهـا
وفي النقب وسيناء يعيّن لكلّ رجل فنجان، وتوضع الفناجين
على صينيّة، وهي صغيرة الحجم مقارنة بالمناطق الأخرى، ويمكن للصابّ أن يمدّ
الصينيّة وهو جالس وتغسل الفناجين بعد شرب الفوج الأوّل، ليصبّ للفوج الثاني، وقد
يحمل أحدهم فنجانه في عبّه أو جيبه، إذا خشي العدوى من الأمراض، أو أحسّ أنّ به
مرضاً، وفي مناطق في الشام يحمل الصّاب فنجانين أو ثلاثة فقط، وهي أكبر حجماً،
بحيث إنّها تمكّن الشارب من إدخال أنفه في الفنجان عندما يرتشف القهوة، ويصبّ
للضيوف والمعازيب وهو واقف وراء بعضهم البعض دون غسل الفنجان «الكيف مناقلة» وعلى
من أحسّ بأنّه مصاب بالرشح عليه أن ينبّه الصاب أو يكفأ الفنجان، ويرى البعض أنّ
«القهوة ما تعدي»، والذي يدير القهوة عليه أن يقرع الفنجان بلسان المصبّ لينبّه
الشارب إلى أنّ القهوة وصلته، إذ قد يكون منشغلاً بحديث، ولم ينتبه للرجل الذي
يصبّ له القهوة، وكان في أغطية البكارج كرات من النحاس تصوّت كلّما مال البكرج .
ولا يجوز للشارب أن يطلب من الساقي أن يملأ له الفنجان،
ويصفونه بأنّ «كيفه بطينيّ» ليس في الرأس، ولا يستأهل القهوة، والأولى أن يُصبّ له
اللبن ليرتوي بل يستطيع من مُلئ له الفنجان أن يقاضي الصّاب، فالفنجان الملآن لا
يُصبّ إلاّ للنفساء أو العجوز المسنّة، فيقول عند القاضي: هذي ما هي صرفة فنجان،
هذا قلبه عليّ مليان، هذا صبّ لنسوان "
ويجب أن يناول
الصاب الفنجان بيده اليمني، وكذا على المستقبل أن يتناوله بيمناه، وهو جالس، وإن
كانت يده اليمنى مقطوعة أو مشلولة أو معطّلة، فيجوز له التناول بيسراه، أو يوضع له
الفنجان على طاولة أو على الأرض، كي يتسنّى له مسكه، وعلى المتناول أن يشرب
الفنجان بسرعة، وإذا كانت القهوة ساخنة عليه أن يديرها في الفنجان لتبريدها، ويحظر
عليه أن يتريّث في الشرب، كأن يرتشف ويتحدّث، أو يضع الفنجان على الأرض أو يلفّ
سيجارة .
ومن اللائق أن يذوق معدّ القهوة قهوته قبل أن يقدّمها
للشاربين ليتأكّد من حسن إتقانها وطعمها وحرارتها وثقلها وخفّتها، والغريب أنّ بعض
الباحثين يفسّرون ذلك بأنّه طمأنة من معدّ القهوة للشاربين، ليثبت لهم بأنّها ليست
مسمومة، فليس من عادة العربيّ أن يسمّ ضيفه، وإن أراد ذلك فلا يعدم الوسيلة من
تقديم السمّ في الماء أو الغذاء أو فنجان آخر، وهذا من أغرب التأويلات، حتّى اللص
إن أكل وشرب عند أناس لا ينبغي له أن يسرقهم، لأنّه أصبح بينهم «عيش وملح» وفي
العادة أن يضع معدّ القهوة في الفنجان الأوّل شيئاً من القهوة، ويديرها فيه، ثمّ
يسكبها في النقرة أو في صينيّة، وهو بذلك يدّفئ الفنجان أو يتخلّص من قطرات الماء
التي به وعلى من أحسّ بأنّ القهوة فاترة أو باردة أن ينبّه الصاب بأن يقول له
«قهوتك فاكّة» وفي بعض المناطق يقولون «قهوتك دافية» ولا يقال «باردة»
تُعدّ القهوة في الصباح الباكر في الديوان بالنقب
وسيناء، وعلى معدّها أن يناول كلّ شارب لقمة مغموسة بالملح كفراش للقهوة، وغالباً
ما يضع العجين في محماسة القهوة وينضجها على النار قبل أن تدار القهوة، أو يعرض
على الجلوس شيئاً من التمر، وهناك بكرج يعدّ ضحى، وهو "بكرج حومة الطير"
قال الشاعر الأمير محمد الأحمد السديري:
قم سو فنجال الضحى يا ابن قمّاع *** صبّه لمن هو ضايق
البال من لاع
همٍ بقلبي بين محني الأضـلاع *** لاراح همٍ جات همومٍ
لها أسناع
في صبته يا القرم خلك سريعـي *** أغدي هواجيس الضمائر
تضيعي
شيٍ يضيــق بـه الحماد الوسيعـي *** تسابق لقلـب
المشقّـى جميعـي
وهناك بكرج العصر، ثمّ بكرج الليل، وهو «بكرج التعليلة»
وبعد الغداء الدسم أو العشاء يتناول الناس عدّة فناجين من القهوة، فهي تساعد على
الهضم .
يعاد عرض القهوة على الضيف بعد برهة من الزمن، فيقول له
الرجل الجالس وراء البكرج «أصب لك قهوة ؟» فإن قال: صبّ، أو «ما هي رديّة»، وإن
كان لا يرغب فيها يقول «يكفّ عنّك شرّ الدهوة» فيترك مدّة أخرى ثمّ تُعرض عليه،
ومن حقّ الضيف أيضاً أن يطلب أن يُصبّ له فنجان حين يهمّ بالمغادرة ويسمّى «فنجان
ظهيري» أي قبل أن يمتطي ظهر مطيّته، وقد يطلب أحدهم أن يصبّ له فنجان بسرعة إذا
كان مسافراً، وعرّج على ديوان، ويريد الانصراف .
قلنا في النقب وسيناء تصنع القهوة في الديوان، الذي
يرتاده الرجال والضيوف، ولكن في مناطق من فلسطين وبلاد الشام، يتّفق على مكان
السهرة، فيعدّ القهوة من تكون السهرة عنده، فكلّ بيت فيه معاميل قهوة، ويحكى أنّ
رجلاً نزل بأسرته جوار قوم، فراعهم ما يحمل من بكارج ومعاميل قهوة، فتساءلوا: أهو
يهتمّ بالقهوة إلى هذا الحدّ أم هي للمظهر فقط؟ فقرّروا مناداته ومعرفة سبب
انعزاله عن ديوان العشيرة، فأرسلوا في طلبه، وصبّوا له فنجان قهوة، فتناوله وقبل
أن يصل إلى فمه أعاده في الصينيّة دون أن يذوقه، فسئل عن السبب، فقال «قهوتكم
صايدة» فسكبوا القهوة وفتّشوا بكارجهم، فوجدوا في إحداها حشرة (خنفساء) وفي اليوم
الثاني نادوه وصبّوا له فنجاناً فسألوه عن قهوتهم فقال «قهوتكم معاش وكيف» وفتّشوا
بكارجهم فوجدوا في إحداها حبّة شعير، فدهشوا من دقّة تذوّقه، وفي اليوم الثالث
أعادوا الكرّة، وصبّوا له فنجاناً من بكرج بِكر، فقالوا: كيف تذوق قهوتنا اليوم ؟
فقال «هذا البكرج صُرف منه فنجان وأُضيف إليه فنجان» وعندما تحرّوا عن ذلك أخبرهم
معدّ القهوة أنّه شرب فنجاناً من البكرج وأعاد فيه فنجان ماء بدل فنجان القهوة،
عندها شهدوا له بأنّه كيّيف بل هو قاضي كيف .
ويروى أنّ هنديّا أتى إلى بلاد الشام فوجد شجرة بنّ، لا
يعرفها السكان فأغار عليها بفأس وقطعها خشية أن تنتشر زراعتها، ومن ثمّ يستغنى عن
إستيراد القهوة من الهند التي تعتمد في إقتصادها على ما يدرّ عليها تصديرها من
أرباح، وقال عندما قطع الشجرة "بهندي ولا بالهنود كلهم" أي أنّه يضحّي
بنفسه بقلع هذه الشجرة من أجل حياة الهنود جميعاً .
ويستغرق إعداد القهوة أكثر من ساعة، ولها ثلاثة بكارج،
أحدها فيه القهوة الخميرة، وهو ما تبقّى من حثل وقهوة من المرة السابقة، وبكرج
الطبخ، والثالث للصبّ وفيه القهوة الجديدة ، والقهوة السادة تقدم بدون أن يضاف
إليها السكر، وهناك قهوة حلوة يضاف إليها قليل من السكّر تسمّى على الريحة، وهناك
القهوة الحلوة , وبالنسبة للون: القهوة الغامقة، والقهوة الفاتحة أو الشقراء، وهذه
لا تحمّس كثيراً، فلونها أصفر وبها لذعة من إضافة الزنجبيل عليها، والقهوة الصفراء
منتشرة في الخليج العربي والجزيرة العربية .
والمعتادون على شرب القهوة عندما يحرمون منها تتغيّر
أمزجتهم، ولا يستطيعون التركيز، يروى أنّ مسافراً في الصحراء قدم على جماعة يحتسون
القهوة، وكان مكفهرّ الوجه، وعندما صبّوا له فنجان قهوة وشربه تفتّحت أساريره وأبتسم،
وكأنّه يراهم للتوّ، فقال: سلامات يا أجاويد، لا تآخذوني، والله غير توّ اللي
حقّيتكم .
أدوات القهوة:
جراب القهوة: كان يصنع من جلد الغزال، على شكل مخلاة
يوكى فمها بشريط جلدي، يوضع بها حبّ القهوة قبل التحميس، وهم يحمّسون كلّ يوم، ولا
يحتفظون بها محمّسة أو مطحونة كي لا تفسد، وليتمتّعوا بإعدادها من تحميس ودق وغلي
كلّ يوم .
المنقل: وهو الكانون: يصنع من الحديد أو النحاس تصفّ
عليه البكارج، وقد يستغنى عنه بنقرة النار وهي حفرة تحفر لوضع النار فيها .
الدلال: أي البكارج وتصنع من النحاس بأحجام مختلفة: بكرج
لطبخ القهوة، وبكرج الخميرة، والمصبّ، والمصب قد يكون بكرجاً صغيراً أو وعاء له
مقبض على اليسار أو اليمين حسب الطلب، وتصب فيه القهوة بعد تجهيزها، وتدار على
الشاربين، ويضاف إليها في هذه الأيّام الترموس، ولكن القهوة التي توضع في الترموس
لا تمكث طويلاً طازجة، لأنّ بخارها يعود إليها، أمّا التي توضع على النار مباشرة
فيتصاعد بخارها عنها فهي أطيب مذاقاً، قال حامد بن مايقة الحبابي محتجّاً على وضع
القهوة في الترموس، ويطالب بإعادتها في البكارج :
يا عَاملِين البن وسطَ الترامِيـس *** ردّوه لأمات
الخشـوم المِقَابِيـس
ما عاد شفنا البن وسط المحاميس *** لا تقطَعونه من حشا
مرضعاتـه
صفر الدلال اللي عليهـا حلاتـه *** يحمس وصوت النجر طوّل
سكاته
المحماسة: صحن من حديد سميك له يد طويلة، يستخدم في
تحميس القهوة ونسفها.
المحراك: قضيب من حديد له رأس مفلطح تقلّب به حبّات
القهوة إذا كانت المحماسة ثقيلة، كي لا تحرق بعض حبات القهوة وتظلّ أخرى نيّئة .
المبراد: وعاء خشبي على شكل الخفّ له مقبض تنشر فيه
القهوة لتبرد قبل طحنها .
النجر: وعاء خشبي مجوّف، فوّهته مطعّمة بالفضة والنحاس،
وهو مزيّن بالرسومات والخزف، وله مرادفات منها الجرن والمهباش، وكانوا يحفرونه من
خشب البطم أو البلوط أو المشمش ، وفي بعض المناطق يستخدم هاون من فخّار ، وتطحن
فيه القهوة بإدارة عصا خشبيّة ثخينة تسمّى المسحانة، وفي بعض المناطق يكون الهاون
صغير الحجم من نحاس أصفر، وله يد نحاسيّة قصيرة .
يد النجر: تسمّى مسحانة، وهي عصا غليظة ثقيلة مدبّبة من
أسفل لهرس القهوة وهي مزيّنة أيضاً ومدهونة بطلاء .
مطحنة البن: مطحنة يدويّة أو كهربائيّة، تستخدم لطحن
حبات البن وتحويلها إلى بودرة ناعمة حسب الرغبة، وهي حديثة العهد .
المنصب: يصنع من قضبان الحديد له ثلاث قوائم يوضع عليه
البكرج على النار .
قال الشاعر:
البكرج اللي إنتصب رنّت فناجيله *** رجل ٍبلا عزوته بطلت
مراجيلهْ
الفناجين: أقداح صغيرة ومتنوعة من الصيني تستخدم لاحتساء
القهوة العربية، والذي يستخدم للقهوة المرّة بدون عروة .
الصينيّة: تصنع من نحاس أو ألمنيوم أو خشب، تصفّ عليها
الفناجين .
الملقط: أو الماشى: من الحديد لمسك الجمر وتحريك النار
تحت البكرج أو إبعاد الجمر عنه .
الممسك: خرقة من نسيج غليظة أو قطعة ليف يمسك بها يد إبريق
القهوة، وهناك الليف الذي تسدّ به أفواه الدلال .
وقيل في تلغيز القهوة:
أنا المحبـوبة السمرا *** وأجنى في الفنـاجيـنِ
وعود الهال لي عطرٌ *** وذكري شاع في الصينِ
تقدم القهوة المرّة في الأفراح والأتراح، ولا يقدّم
غيرها في المآتم، يعتبر البعض انسكاب القهوة فألاً حسناً، ولكنّ آخرين احتجّوا على
ذلك فقالوا: يكبّوا قهوتهم من عماهم ويقولوا خير من الله جاهم .
أشعار شعبيّة قيلت في القهوة:
لم يحظَ مشروب بما حظيت به القهوة من شعر شعبي، ويجب على
الشاعر الفحل أن ينظم قصيدة أو أكثر في صنعها ووصف بكارجها ، قال الشاعر في وصف
دلال شيخ:
ودلال عنده تستبي من رآها *** من كثر ما فيها تصاوير
ورسوم
يفضّل شرب القهوة في مكان هادئ ليس فيه منغّصات، ومع
ندماء بينهم مودّة وحميميّة ، قال راكان بن حثلين:
يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال *** في مجلس ما فيه
نفسٍ ثقيلة
هذا ولـد عمٍّ وهـذا ولـد خال *** وهذا رفيـقٍ ما لقينا
مثيله
وعندما يضيق صدر الشاعر المطوّع ينادي زوجته نورة لتحضر
له الحطب ليعدّ القهوة :
لا ضاق صدري قمت أصوّت لنورة *** من قبل ولد اللاش يبدي
بشوره
هاتي حطب وأرميه للجار والضيف *** حمّست من حبّ اليمن
غاية الكيف
وقال الشاعر ابن عبيكة في مشهد مشابه:
لا ضاق صدري جبت ضفّة جثامير *** ثمّ أنحرفت وجبت عوج
المناقير
نجرٍ ليا حرّك يصوّت كما الزير *** فنجالها يشبه خضاب
الغنادير
لا شفّها الطرقي كما بلجة الطير *** إن جن مع الخلّ
الشمالي دعاثير
إن ساعفت حطّيت راسي مع المير*** باغ ٍليا مدّوا وراحوا
على خير
شبيّت نار ٍمثل نار الحرابة *** سودا من الملّة عقاب
التهابه
من جوف أبن عمير قطع من هضابه *** لا شافته عذرا تمنّت
خضابه
يسفر بوجهه عقب وسم الخلابة *** شرهين باليمنى نحنّي
رقابه
وإن عاضبت يكفيه قولة هلا به *** وتوافقوا من شاف شيٍ
حكى به
ولإبن عبيكة أيضاً في وصف مراحل إعداد القهوة وتناولها:
قم يالمقهوي دن نجر ٍومحماس *** واحمس لنا من حب صنعا
نماها
أحمس وزيّن حمسة البن بقياس *** دقّــه ولقمّهـا وعـجّل
سواهـا
وصبّه لممرور ٍعلى الخيل مدباس*** تقفي عنه صم الرمك
لانصاها
من فوق ماتاخذ على الخيل مرواس*** لاجدعت خبثات الأنفس
حذاها
وأثنه لمن حوله على الزبر جلاس*** أهل السموت اللي بعيد
ٍمداها
أبن عبيكه هرجته مابها باس*** تطرب لها كرام اللحى من
حلاها
طول الجدار وقصرة الرجل نوماس*** لا صار ما للرجــل داع
ٍدعاهــا
تصير بعيون الرفاقه معك باس*** لا صار ماتدعى ترف من
عناها
يصير قالات ٍويصير لولاس *** ونوبن من الأدنين يأتي
بلاها
قلبك يصير ويضرب القلب عوماس*** والنفس تقدح عقب زايد
غلاها
خلك على بابك تقل لون حراس *** لاجو عليهن محترين ٍعشاها
لاجت مع الخل الشمالي لها أضراس ** والكل تشكي رجلها من
حفاها
نرحب بهم من قبل تجديع الألباس ** ونقلّط لهم تمر الحلا
من نماها
ونذبح لهم كبش ٍمربى بالأطعاس*** ونقلطه من قبل يقرب
مساها
هذي سلوم جدودنا قبل من راس*** واللي بعدنا كــان ربي
هداهـا
وهذا عنيز العرادي شاعر سيناء يداوي ضيقه وهمومه بإعداد
دلّة من القهوة لتلهمه قول القصيد:
لي ونة ٍما ونها كل رجال *** وأصبحت أسوي لمخة الراس
فنجال
تميت أصفي ماه من جملة دلال *** منّه فضلت أنقل من الراس
ما قال
وقال الشاعر مدوّخ المطيري ينتقد جماعة يسرفون في شرب
القهوة عند الغير، وهم لا يقتنون المعاميل في بيوتهم، ولا يشترونها ويعتنون بها،
وكأنّهم يستكسبونها:
الكيف خله عند من يشترونه *** المشكلة اللي جابها من
بلدها
ياحامسين الكيف لا تحرقونه *** حذراء عن الشعله تغير
نقدها
حتى يجي محمرّ كن لونه *** ما جت جراده ظاهرة من جسدها
صبّه على اللي ربعته يدهلونه *** له ربعة ٍمن راح منها
حمدها
وعدّه عن اللي واقف ٍله بشوته *** يمسي ويصبح عارف ٍلك
عددها
ما غير عنده طايرات ٍعيونه *** لا باع شاته جاك حزة
وعدها
وعندما يضيق صدر زيد الخشيم يعمد إلى صنع القهوة أيضاً:
لا ضاق صدري قمت أسوي من الكيف *** فــنــجــال بــــــن
ٍمــــــا يـايـغــبــب ســريــبــه
بـكــر ٍعـلــى بــكــر ٍعــــذي ٍمــــن الـعـيــف ***
يـطـري عـلـي و أن نــام خـطـو الزريـبـه
ولــيــا صــبــبته كــن لــونــه إلــيــا شــيــف ***
سـلـك الـحريـر لـيـا تـمـهــل صـبـيـيـه
صـــبـــه لــمــمـــرور ٍبـــرأســــه زعــانــيـــف
*** اللـــي إلـيا شـــبــت يــصـالـي لـهـيــبـه
ويثـنـي عـــن الـربــع المقـفـيـن بالـسـيـف *** لا
صـــار فـــي تـــال الـتـفــا فــيــق ريــبــه
وفـيـنـا مــحــا زمــنــا ســــوات الـكـرانـيـف ***
ومـعــنا خـطـــاة مــلــظــب ٍلاح شــيــبـــه
لـعـيــون غــيـــد ٍشــرّكـــت تـنــثــر الـلــيــف
*** اللــــي شـــــكــــا وارد نـمـاهـا عــســيبه
بـشـرقــي قــفــار ٍكـنـهــا مــزنــة الـصـيــف ***
شــــرق ٍمــــن الـبـطـحـا بــجــازع شـعـيـبـه
الـــلـــي نــمــاهــا لـلـمـسـايـيـر والــضــيـــف
*** يــــوم أن ولـــــد الــنـــذل حـــــارب قـريــبــه
صــرنــا لــعــدلات الـمـنـاظـر كــــلا لــيـــف ***
ننـجـش لـهـم مـلـح الـشـفـاء كـــل غـيـبـه
قال مشعان بن هذّال يوصي معدّ القهوة أن يعدّها له في
دلّة بيضاء حسنة المنظر، ويضيف إلى القهوة الهيل والزعفران والبهارات، ويقدّمها
للنشامى، ويقصرها عن النكرات الذين ليس لهم حظّ من الذكر بالأفعال الحميدة :
قم سو فنجال ٍترى الراس منـداش *** لعيون من قرنه على
المتن مرجود
في دلة ٍمربوبـة ٍكنـها الشــــــــاش *** وبهارها كـف
ٍمن الهـيـل والعــــــود
أبيـه رسم ٍللنشـاما عن الــــــلاش *** الـلاش لا
فـاقـد ولاهوب مـفـقــــود
ملـذة الدنيـا معــــاميل وفــــــراش *** وصينية ٍيركض
بها العبد مـســعـود
الطيب سندى والردي كنه الطاش *** واللي يريد الجود ماهوب
مــــردود
في ربعـة ٍيفرح بهـا كل هــــتـاش *** يفرح بها اللي من
دناياه مضــهود
وصفراً تلادي بالصخى كل مهبـاش *** يصطن على قلب
المناعير بالعــود
ياالله طلبتك مع تغاريـد الأدبـــــاش *** إبل ٍمغـاتير
ٍويـبرا لـهـن ســــــــود
مربعاها الصـمّان تبعـد عن المـاش *** ومقيضها دخنة إليا
صرّم العـــــــود
أبي إليـا جـا من ورا المال شـوباش *** وتناسعن من بين
الأسلاف عرجود
من لايروي شـذرة الســيف لاعاش *** عسـى عليه مروّس
الجيب مقدود
وقال الأمير هايس بن مجلاد ينصح بإعداد قهوة ثقيلة تعلق
على الفنجان، ويعدّه في دلال بيضاء كالبطّ اللائي تدلّي أعناقها في الماء، ويصف له
التحميس والدقّ، وينصحه بصبّ القهوة للفرسان والكرماء وصرفها عن الضعفاء والجبناء:
قم سو ما يجمد علـى الصيـن ياذيـاب *** بـدلال يشـدن
البطـاط المحاديـب
أحمس أللي لامن العـرق فوقهـا ذاب *** وأستدن مايجـذب
عليـك الشواريـب
وإليا أنطلق من مذلقه كنه أخضـاب *** ورس ٍصبغ بكفوف بيض
الرعابيـب
عـدّه لمـن قـاد السبايـا للأجنـاب *** له مفرس ٍيشبع
بـه الطيـر والذيـب
والثاني أللي وأن لفـى بيتـه أركـاب *** قدام بيته مثـل
جـزر القصاصيـب
والثالث اللي وأن غشا الزمل ضبضاب *** يرخص بعمره دون
زمل الرعابيـب
وباقي العرب يكفيهم التول وأن شـاب *** قضابة المجلس
حميـر المشاعيـب
أللي نهار الكـون يفـزع بمصـلاب *** كبار الأنفـس
ساهجيـن المواجيـب
والأفضل أن تعدّ القهوة في الصباح الباكر، ويكون الوقود
من حطب السدر الجزل، لا من الجلّة والبعر، قال الشاعر:
ليا بانـت النجمـة بكفـي تناوشـت *** أدلال بيـض
ٍوالمقاضـب براغيـل
أنا وما حاشت يدينـي ومـا نشـت *** بالبن و المسمار و
الجـوز و الهيـل
دريت لو عاشن هذي الأيام ما عشت *** لا بـد مـن قبـر
ٍعليـه المخاييـل
ذاع صيت دغيم الظلماوي الشلاقي الشمري إبّان عهد الأمير
محمد العبد الله الرشيد بالكرم وخاصة الإعتناء بالقهوة العربية على مدار اليوم،
وبينما كان ابن رشيد جالساً في مجلسه يتجاذب أطراف الأحاديث مع مسامريه، تطرّق أحد
جلسائه إلى كرم دغيم الظلماوي وحرصه على دوام تجهيز القهوة في بيته مع فقره، وناره
لا تنطفئ والقهوة عنده جاهزة دوماً، وأنشد قصيدة الظلماوي في القهوة التي تقول:
يا كليب شب النار يا كليب شبه *** عليك شبه والحطب لك
يجابــي
وعلي أنا يا كليب هيله وحبــه *** وعليك تلقيط الدلال
العذابـي
وأدغث لها يا كليب من سمر حبه *** وشبه إليا من عفا كل
هابـــي
باغي إليا شبيتها بالـــــمشبه *** تجذب لنا ربع
ٍســــراة غيابـــي
بنسريه يا كليب صلف ٍمهبـــــه *** لا تنعسف لكن بها سم
دابـــي
خطو الولد لوله زبون وجبــّــه *** تاتي عليهم من حساب
الزهابي
لا باطن الهلباج خطو الجلـــبه *** يا حلو خبط عصيهم
بالركابـي
أطمر لهم وأبدي سلام المحبـــه *** لا جو على هجنن بيدهم
خلابـي
مع كبش مصلاح ٍلك الله نجبــــــه *** لا دبر الهين متين
العلابـــي
الأوله يا كليب عجل مصبــــــه *** والرزق عند الله منشي
السحابي
فأراد إبن رشيد أن يتأكد من صحّة زعم الظلماوي ، فكبسه
على حين غفلة في منتصف إحدى الليالي شديدة البرودة، فتسلل خلف بيت دغيم، وإذ
بالنار مشتعلة والدلال على النار، ثم إنّ النار بدأت تخبو فقال دغيم لكليب قم شب
النار، فقال كليب: اليوم برد وإحنا في آخر الليل ولن يأتي أحد، فقام دغيم وأشعل
النار بنفسه، وإذا بابن رشيد واقف على رأسه فارتجل معتذراً:
مده رهن لولاك ماقلت ياكليب *** ولا قلت شب النار وصر
موقداً له
في ليلة ٍتجدع سواة المشاهيب *** نسرية ٍتلصق خليل ٍلخله
نطعن بعزك ياحصان الأطاليب *** عسى الله جمع حزمتك ما
يفله
يالجوهر الناريز يالمسك يالطيب *** يا عنبر ٍمن جرّبه
مايمله
تكفي محاليب ٍوتملى مجاليب *** وكبد ٍتيبسها وكبد ٍتبله
ياطير شلوى مالقي بك عذاريب *** لو تستحتي ما تجمع الطيب
كله
يا بو اليتامى والأرامل ومن عيب *** وأبو لمن صار العصى
ثالث ٍله
وأبو المحرول والعمي والمحاديب *** ومن ضامته بقعاء تصير
ولد ٍله
أن كان هرجي به عليكم عذاريب *** سامح عسى اللي عقبك
بألف حلّه
وصدق من قال: إنّ من البيان لسحراً، فعندما سمع إبن رشيد
هذا الشعر قال: يا الظلماوي، قال: نعم، قال: والله ما تشريه غير ما شريته ما دام
أنا حي، كل ما إحتجت تجي يمّي وتاخذ حاجتك .
وحاول الشاعر عبد الله القبالي الحميضي معارض الظلماوي
فقال:
ياعـلـي شــب الـنـار ياعـلـي شـبـه *** لامـال فـيً
مشمرخـات الهضـابي
بـــاغٍ إلـــىا شبـيـتـهـا وأضـلـهـبـه *** قــلـّــط
ثـــــلاث لـونــهــن كـالــغــرابي
حـنـكـيـة مــــا يـنـفـعـه لـــــو نــربـــه ***
بلغودهـا تلقـى سـنـا الـنـار صــابي
يـا الـلـي تـقـول الـنـار كــل ٍيشـبـه *** الـفــرق
بالـمـنـبـا ولــيــن الـجـنــابي
زادك ومـيـسـورك ولــيــن الـمـحـبـة *** أخـيـر مــن
كـبـش ٍسمـبين ٍيـجــابي
إن سـمـح الـبـاري وسـانـع مـهـبـه *** نقضب مكـان الشـب
بيـن الغيـابي
بــاغ ٍإلــىا مــنً السـنـيـن أشلـهـبـت *** وجـونــا
فـزيــع ٍمحتـتييـن الــزهــابي
أظهـرت للعطـشـان فــرغ المصـبـة *** لزمالـتـه بــأرض
الـخــلا لا تـهــابي
صيـنـيـة الـمـرحــوم يـاعـلــي ربــــه *** وصوا بهـا
الصانـع بزيـن الربـابي
دنـيـاك مــا عـمـّر بـهـا كـــود ربـــ *** الـواحـد
الـلـي واعـــدك بالـحـسـابي
الــنـــار دربـــــه هـــيـــّن ٍوالـمـســبــة ***
والطـيـب وعــر ٍوالمـراجـل صـعـابي
وش عاد لو لك غرسة ٍتقل غبـة *** دبسه يفجّر مع عروض
الجوابِي
مــا تنـهـج ألا فــي ذراعـيـن خـبــه *** وخمسك ومـا
مـدت يمينـك يجـابي
ولسلطان بن عبد الله الجلعود في إعداد القهوة وتناولها:
الله على الفنجال مع هجعة النـاس *** بـدلال نـارٍ ٍما
يبـطّـل سنـاهـا
مع حمسة ٍيملا بها كـل محمـاس *** ويقلبـه قـرم ٍيعـرف
أستـواهـا
قم يا فرج شبّه تر الكبـد والـرأس *** العين أشوفه قازية
مـن خطاهـا
حط الجروم آللي من العـام يبـاس *** لياما يطوح ضوهـا
مـع فضاهـا
وأحمس على جمر ٍترى ماله أجناس *** وكفّه ليـا منـه
عرقهـا غشاهـا
وأودع بهاره هيل ورهة بالأجراس *** يا خالط الفنجـال
تـرَ هـو حلآهـا
ودقة بنجـر ٍيسمعـه كـل نعـاس *** ولا تغلق الضبة علـى
مـن بغاهـا
وصّف وصبه ترَ هو الصفى بقياس *** ما هو خطاة الخامل
أللي طهاهـا
أللي يحطه بأوسط النـار مرفـاس *** لمـا يطيـّر قبوهـا
مـع غماهـا
وقال الشاعر عايد السندي الرشيدي من قصيدة طويلة في وصف
إعداد القهوة وما يرافقها من كرم وذبائح وحكمة:
يامحلا رفعت مـن البيـت الأشنـاق *** ليا أقفا الهجير
وصـار دور البـرادى
العصر هفهوف ٍوبالصبـح مشـراق *** وسوالـف ٍحـلـوة دوا
للـفـوادى
ومهيل ٍمن جوف زينـات الأعنـاق *** من وارد الرسـلان
بيـض ٍجـدادى
يقعد عماس الراس ريحه إليا أنساق*** ريح البخترى فـي
صحاصيح وادى
سواه شغموم ٍعلى الطيـب سبـاق *** أختـار حبـه مـن بعيـد
البـلادى
صلى صلاة الفجر من قبل الإشـراق *** من عقب ما صلى على
خيـر هـادي
وقرّب وقود ٍمن هشيم ٍلـه أشنـاق *** شعاع ضوه مع سنا
الصبـح بـادي
ثم ٍبـدى باللـي تقـل لـون نغـاق *** سوّد جنوبه مـن
صبـاح وهجـادي
وبـدا يصلفقهـا بالأيـدي تصلفـاق *** و فاحت بريح ٍمثـل
ريـح الزبـادي
فكره حضر للحمس من خوف الأحراق *** لـو تندهـه ماينتـبـه
للمـنـادى
ودقه بنجـر ٍيسمعـه كـل مشتـاق *** نجر ٍيجضورعنـد لمـس
الأيـادى
ولقم برسلان ٍلهـا القلـب عشـاق *** وحطه على جمـر
ٍوقـوده يـزادى
وزله على مصبوبة ٍعنقهـا دقـاق *** وبهـر بهيـل ٍذا
عرينـه بـكـادى
وساقه على اليمنى لزاكين الأعـراق *** فهود الرجال اللـى
تضيـم المعـادى
مع منسف ٍيحمل بالأطراف وحـلاق *** الحيـل فوقـه تقـل
زلـم ٍرقـادى
وإليا حصل ما قلت من عنـد خـلاق *** هذا هـوى بالـى
وغايـة مـرادى
مانى على الدنيـا ولـوه ٍومشتـاق *** ولا أبكى علـى حـى
ٍوراه النفـادى
والعمر لو طوّل لـه المـوت لحـاق *** ولا يــدوم ألا
كفـيـل العـبـادى
وقال الشاعر:
يا مسوي الفنجال حوفه وذوقـه *** خص الرجال وبد ناس ٍعلى
ناس
صبه على اللي وافي ٍفي حقوقه *** يملا الصحن ويطمّن
النفس للناس
وسقها على اللي تلاعـج بروقـه *** فكاك ربعه يوم
الأريـاق يبـاس
كان الرجال يحملون القهوة في أردانهم، لأنّهم لا
يستطيعون الإستغناء عنها في حلّهم وترحالهم، وهذا الشاعر محمد بن ونيان من حرب،
وهو شاعر واقعيّ، يعترف أنّ المرء بين يسر وعسر ،
وكان له جار إقتنى دلالاً فاخرة وتظاهر بالكرم, ونزل على محمد ضيف، وأعدّ
له القهوة بحضور جاره الثري، فأراد التباهي أمام الضيف بأنه يملك القهوة الجيّدة
الغالية, فسأل محمد بن ونيان قائلاً: هل قهوتك يمانية ؟ فقال: لا ، إنها شامية،
فطلب من محمد أن يكفأ الدلة ويعيد عمل القهوة، وناوله حفنة من قهوته, فأحرج محمد،
وسكب القهوة، وأعدّ قهوة مما قدّمها جاره، وعندما خلد الضيف للنوم، وأنصرف جاره
إلى بيته، أنشد هذه القصيدة التي تصور حالته وحال جاره وما حدث بينهما :
يالله يا اللي سايله ما يمله *** يا منبت العشب الخضر
بالرشاشي
تفرج لمن كنّه على صلو ملّه *** متحيرٍ ضاقت عليه
المواشي
لا ضاق صدري جبت نجرٍ ودله *** وسويت ما يطفي لهيبٍ
بجاشي
وإن جا المسيّر عمس عندي دوىً له *** فنجال ما سواه خطو
الخداشي
بكرٍ على ليا جيت أزلّه *** يشبه خضاب مردوعات النقاشي
وأن كثر هتّاش الخلا ما نمله *** حقً علينا فزةٍ
وأنبهاشي
يوم أن ولد اللاش ياقف بظله *** كنّه على درب المراجل
يهاشي
ومعبرينٍ كل وقتٍ بحله *** نصبر على ما كاد والرزق ماشي
حينٍ هشيم وحين نوقد بجلة *** ومر ٍنبهرها ومر ٍبلاشي
ونوبٍ بيسر ونجمع الكيف كله *** ونوب ٍعلى الشامية أم
الغشاشي
تعبى لضيفٍ عانيٍ من محله *** نمشي قصاد ولا نحب أنتفاشي
.......................................................
المراجع والمصادر
:
1: معجم
الشعراءلأبي القاسم الحسن الآمدي المطبعة العلمية بيروت 1982م
2: البداية
والنهاية لان كثير دار الحديث القاهرة 1998م
3: شذرات الذهب
في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي دار إحياء التراث بيروت .
4: القضاء بين
البدو عارف العارف مطبعة بيت المقدس 1933م
5: قضاء العرف
والعادة عبد الكريم الحشاش مكتبة الأقصى دمشق 1991م
6: الأدب الشعبي
في جزيرة العرب عبد الله ابن خميس مطابع الفرزدق الرياض 1982م
7: الأزهار
النادية من أشعار البادية محمد سعيد كمال مكتبة المعارف الطائف مجموعة أعداد .
احسنت وابدعت شكر الله لك ونفع بك
ردحذفجهد لا يستهان به