كتاب قضاء العرف والعادة للكاتب عبد الكريم عيد الحشاش العامري - قبيلة بني عامر

كتاب قضاء العرف والعادة للكاتب عبد الكريم عيد الحشاش العامري

كتاب
 قضاء العرف والعادة
للكاتب: عبد الكريم عيد الحشاش العامري


حصرياً على مدونة قبيلة بني عامر (الملالحة)
 نقدم لكم :
 كتاب
 قضاء العرف والعادة
 لـ " سادن التراث" الكاتب والأديب الأستاذ
 عبد الكريم عيد الحشاش العامري

 وقد صدر هذا الكتاب عن مكتبة الأقصى بدمشق 1991عام.
 وهو كتاب رصين في تناوله للموضوع وفيه ربط بالتراث القضائي الإسلامي , وإستطاع الباحث أن يضيف جديدا في هذا الموضوع رغم ما سبقه العارف فيه حتى ظن البعض أنه الباحث المتفرد في هذا الباب , جاء الأستاذ الحشاش بمنهج واضح مهد الطريق لغيره من الباحثين للكتابة على طريقته والنسج على منواله , ونترككم مع الكتاب :

  .................................

مدخل

راودتني فكرة الكتابة عن القضاء العرفي منذ سنين عديدة, وما زلت أذكر مجالس القضاء التي كانت تعقد في الدواوين بجدية ومهابة ووقار, وأكثر ما راعني بلاغة الحجج وكيفية سردها وكأنها موحاة من عالم آخر حيث أن المرء لا يسمع مثيلا لها في الحياة العادية, وكنا ونحن صغار نرتدي ملابس المرافعات مقلدين أصوات المترافعين وحين كبرت تسنى إلى أن أجلس في تكل الحلقات القضائية حيث كان يطلب مني أحيانا تسجيل الحجج وحكم  القاضي فيها, وأكثر ما يثير الدهشة أن هذه الحجج صادرة عن أناس أميين لا يعرفون القراءة والكتابة وكلما  كان المرء موغلا في بدويته كانت حجته أبلغ وأكثر جزالة واختصارا وليس غريبا أن هذه الحجج تحفظ عن ظهر قلب ثم تشيع في الأوساط وترددها الألسن كقصيدة شعرية.

 ومن المعروف أن الناس في الريف والبادية يركنون إلى هذا القضاء ويرضون بحكمه ويتحاشون  الذهاب إلى المحاكم الشرعية أو الرسمية, ولا يشفي صدورهم إلا الأحكام الصادرة عن قضاتهم المعروفين, فالقضاء العرفي ظاهرة اجتماعية شأنها شأن الظواهر الأخرى وتختلف من بيئة إلى أخرى غير أن هناك قواسم مشتركة يلحظها المتتبع لهذا الأمر, والقاضي يصرح قبل أن يصدر الحكم بقوله <<أنا في قضاي وعرفي>> أو <<حسب العرف والعادة>> وكثيرا ما تسمع عبارة<<نحن تبع ما نحن نبع>>.

 ومن خطبة لعمر بن عبد العزيز: ألا وإني لست بقاض ولكني منفذ. ألا وإني لست مبتدع ولكني متبع>>.

والقضاء العرفي ليس مقصودا على المجتمعات البدوية كما هو الشائع ولكنه يشمل سكان القرى والريف وأهل الريف في أحيان كثيرة على اختلاف مذاهبهم وأجناسهم, ونجد القضاة المشهورين من الفلاحين, وقد يتقاضى عندهم البدو في مسائل متعلقة بالأرض والخيل والتجارة والفلاحة.

 هذا ونحن بصدد دراسة القضاء العرفي بمعزل عن المؤثرات الخارجية التي أثرت فيه في أماكن شتى كتدخل الدول والقوانين وتعيين القضاة من قبل السلطة وتحديد صلحياتهم, لذا عمدت إلى البحث عن أصول هذا القضاء وحيثياته في المناطق المغلقة كالنقب وصحراء سيناء حيث أن سكان هذه المناطق إلى عهد قريب في معزل عن التأثيرات الخارجية سواء أكانت سلطات مدنية أو عسكرية أو شرعية, رغم أن القضاة والمقاضين يعتقدون أنهم يحكمونا بما أنزل الله ويعتقدون أن أحكامهم تتماشى مع الدين الإسلامي الحنيف وهذا يظهر جليا فيم تحويه المقدمات والحجج القضائية.

 ويعتبر هذا البحث بحثا ميدانيا إذ أنني لم أعتمد على ما كتب في هذا الشأن من قبل, ولم أجد فيه الضآلة المنشودة, وليس هذا المقام متسعا لاستعراف ما كتب ونقده والتعليق عليه, لأنه على كل حال لا يتعدى القشور, ووقع كاتبوه في أخطاء وتناقضات لأنهم حسب ظني لم يستطيعوا سبر غور لهجات وتعابير سكان البادية فهما دقيقا, ولم يشاهدوا من المحافل القضائية ليصدروا بشأنها وكيفيتها حقائق صحيحة بل اكتفوا بما سمعوه ممن أسعفتهم الظروف للقاء بهم, وعمد بعضهم إلى إيراد نصوص نوادر وطرف وحكايات مضحكة ولم يلامسوه جوهر القضاء, وأرجو أن أكون قد وفقت في جمع القضاء العرفي في كتاب ليتسنى لدارسي العرف والعادة والظواهر الاجتماعية الرجوع إليه وفهمه بيسر وسهولة. وخصوصا أن هذا القضاء أخذ يضمحل ويتراجع وسيؤول إلى الانقراض في نهاية الأمر أمام بسط نفوذ الدول على كافة الأصقاع.

 هذا وإنني وقفت حيال هذا القضاء موقف المحايد, ولم أتستر على هناته ولم أغبته حق في المواضع التي شعرت فيها بتجلي العدالة الإنسانية ولم أسهب في مقارنته بالشرائع السماوية أو القوانين الوضعية حشية الإطالة والتوسع, كما أنني لم أتطرق لذكر القضايا التي كان للدول وقوانينها يد فيها.

 وعمدت في كثير من الأحيان إلى إيراد نص بعينة محافظة على سجع العبارات الجميل رغم مخالفة ذلك لقواعد الإعراب, ومجانبته للاشتقاق اللغوي السليم واكتفيت بشرح المفردات والكلمات الغريبة شرحا موجزا لا يؤثر على ترابط الفقرات, وأوردت الاحتمالات المتباينة ووضعتها أمام القارئ كي يرجح منها ما يشاء ولم أفرض عليه رأيا بعينه.

.................................

الباب الأول: خصائص القضاء العرفي

1. القضاة العرفيون ليسوا متفرغين لمهنة القضاء ولا معتكفين في بيوت للفصل بين المتخاصمين بل يعيشون حياتهم العادية ويمارسون مهنا مختلفة كالزراعة والرعي والحصاد ... الخ. مما يمنحهم مجالا أرحب لمعرفة طبائع البشر, ودقائق الأمور, وما اعتاد عليه الناس من سلوك في حياتهم اليومية.

2. يحكم القضاة بما ألفوه واعتادوا عليه وسمعوه من أحكام في قضايا  مماثلة وليس هناك قانون أو دستور مدون, ولكنها محفوظات على شكل أقوال مأثورة مطروقة, وهذا لا يمنع أن تكون هناك اجتهادات جديدة, وتطرأ بعض التعديلات من جيل إلى آخر لتتناسب الأحكام مع العصر, فالديه مثلا كانت أربعين بعيرا وتساق معها فتاة <<غرة>> فعدلت هذه الأيام إلى نقود, واستبدلت الغرة بمهر عروس يضاهي إلى الدية في كثير من قضايا الدم.

3. القضاء لا يتم إلا في بيت مشهور وأمام جمع غفير في <<بيت مشرع>> لا وراء الكواليس وبحضور الكفلاء الذين يتعهدون بتنفيذ ما يصدر من الأحكام.

4. الأحكام التي تصدر شفاهية ولكنها مدركة ومحفوظة من قبل الكفلاء والشهود, وهذا لا يمنع من تدوينها, وحين انتشرت القراءة والكتابة, أخذ بعض القضاة أو الأطراف المتقاضية في تدوين الحجج والحق الصادر بشأنها ويعطي كل طرف من المتخاصمين نسخة وتبقي النسخة الأصلية عند القاضي, خصوصا إذا تعلق الأمر بقضايا الأرض أو الخيول أو الدم, وأحيانا ترسل النسخة إلى الجهات الرسمية إن وجدت.

5. تقتصر العقوبات في القضاء العرفي على المغارم النقدية أو الإجراءات المعنوية, وليس هناك حكم بالإعدام أو سجن قصاصي بدئي, وإن قيلت نظريا يستعاض عنها بالمال, فقد يحكم أحد القضاة ببتر يد المعتدي على المرأة ولكنه يضيف أو تشترى بالمال, وقد يسمع في حكم القتل <<غلام مكتوف أو أربعون وقوف>> أي على ذوي القاتل أن يحضروا لذوي المقتول إما غلاما مكتوفا ليقتلوه بدل رجلهم أو أربعين بعيرا واقفا.وبالطبع يحضر الأهون. وفاقئ العين يدفع نصف دية ولا تفقئ عينه إذا وصل إلى القضاة أما إذا تأثر المعتدي عليه لنفسه فتسد هذه بتلك.

6. في العرف ليس المجرم هو المسئول عن الجرم الذي اقترفوه بل تطال المسؤولية جميع أفراد خمسته ممن يرتبط بهم بالجد الخامس ويتعدى ذلك ليشمل دموميته إذ لم يكن هناك طلوع سابق, في حين تقع المسؤولية على عاتق الجاني نفسه وفقا للشرائع السماوية <<لا تزر وازرة وزرة أخرى>> وكذا القوانين الوضعية المدنية <<كل شاة معلقة بكراعها>>. فالمجرم هنا لا يعاقب هو بل يعاقب أحد أقاربه فالمسؤولية جماعية لا فردية. كذلك في دفع الدية أو الغرامات الناجمة عن القصاص أو الحقوق نرى أن أفراد خمسة الجاني يدفعون معه, كما توزع الدية على أقارب المقتول. يستثنى من ذلك السرقة والاعتداء على العرض حيث يتحمل الجاني ما فعلت يداه بمفرده ولا يجد من يعينه أو يساعده بل يتنكر له الأقارب الذين يقفون إلى جانبه فيما عدا ذلك.

7. يسود إلى الاعتقاد بصحة البشعة <<لحسن النار>> لمعرفة المجرم المذنب من البريء, فهي لا تؤثر في البريء في حين تحرق لسان المذنب المنكر لذنبه.

8. المرأة مصدقة إذا اتهمت رجلا أنه اعتدى على شرفها وفق القول الشائع <<لا على دم شهود وعلى عيب ورود>> لأنه من مصلحة المرأة ولا من مصلحة عشيرتها إدعاء ذلك لما يجلبه عليها وعلى عشيرتها من عار لا يمحى, وفضيحة أبدية, أما فيما يتعلق بتوريث المرأة فإنها غالبا ما تعطى حلي أمها ويعطيها أخوتها عدد من الأغنام والإبل, وقد تعطى قطعة أرض يسمونها <<مارسا>> ليرزعها زوجها أو يقوم بذلك أحد أخوتها حين أصبح الاهتمام بالأرض وفلاحتها كبيرا.


.................................
الباب الثاني : إجراءات القضاء

المصالحة

 إذا أساء أحد الناس في حق آخر أو نشب خلاف بين طرفين أو حدث سوء تفاهم سواء بين رجال أو نساء أو أطفال, فالعادة أن يذهب كبير الطرف المسيء إلى بيت الطرف الآخر بنفسه أو مصطحبا جاهة بعد الإساءة مباشرة فيقول: << نحن أخطأنا في حقك ومالنا بركة إلا أنت>> فيبرر الخطأ ويعتذر عما بدر من طرفه وهناك عبارات دارجة تقال في مثل هذه الحالات: <<المسامح كريم>> أطلب حقك بلسانك <<أنا بعير بارك وأنت حمل>> أنا اللحم وأنت المسكين <<فأحيانا يسقط الرجل حق دون أن يحدده, وأحيانا يقول هذه الطلبة حقها كذا ويسامح في قيمة حقها أو جزء منها, أخذا بالقول الشائع: بين حقك واسقطه>> فهم يجلون اعتذار المسيء ودخوله البيت وقد يلجأ إلى الامتناع عن شرب القهوة أو تناول الطعام حتى يسامح أو تسوى المشكلة. أما إذا كانت الإساءة بالغة فقد يخرج الرجل المساء إليه ولا يقابل وفد القادمين أو يتهرب منهم بشتى السبل فيردهم خائبين, فقد يقول: أنا مكبور لا أستطيع أن أبت في هذا الأمر دون مشاورة كبيري وأحيانا يقول:<< قابلوني عند راعي بيت لنبحث القضية>> بدون تحديد أو يذكر لهم اسم ملم أو قاض ويضرب لهم موعدا. وغالبا ما تحل المشاكل المتعلقة بمشاجرات الأطفال والرعاة. أما إذا كان الجرم فاضحا كالقتل أو الضرب المبرح أو الاعتداء على النساء فيجب أن يبادر الطرف المعتدي إلى أخذ العطوة بإرساله وفد محايدا ولا يجوز له أن يذهب بنفسه. وإذ لم يرسل عطوة يترتب عليه حق كبير ويكون عرضه للانتقام.

وقديما كتب عمر بن الخطاب إلى معاوية: احرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء.


• البدوة:

إما إذا كان الطرف المسيء غير معترف بخطئه أو متجاهلا له أو مماطلا في دفع ما عليه, فيترتب على صاحب الحق أن يرسل <<بدوة>> إليه ويتألف وفد البدوة من رجلين أو ثلاثة وأحيانا من رجل واحد, يذهب الوفد ليبلغ الرسالة بحذافيرها فيقول أحدهم بعد شرب القهوة: <<أرسلنا فلان بشأن الطلبة الفلانية فإما أن تعطيه حقه أو تلاقيه عند راعي بيت>>.فإما أن يستجيب ويسد ما عليه أو يقول: مرحبا به, ما يبدى غير الصاحب, خليه يلاقيني في بيت فلان يوم كذا>>. أما إذا لم يكترث للأمر ويبدأ في التسويف, يرسل له صاحب الحق بدوة ثانية فإن استجاب كان بها و إلا يلحقه بثالثة, وفي كل مرة يغير البداؤن, ويشهد الرجل ويودع في كل مرة يرسلها فيقول أمام سمع وجمع <<اشهدوا يا ناس ومعكم الوادعة إني أرسلت لفلان بدوة من فلان وفلان كي نجتمع عند راعي بيت ليأخذ كل منا حقه ولكنه لم يكترث ورفض ملاقاتي>>. وبعد البدوة الثالثة يحق للبداي أن يأخذ حقه عنوة دون أن يلحقه جرم في ذلك حسب العرف البدوي. فبإمكانه أن يأخذ حقه بيده إن كان الجرم ضربا أما إذا كان الشيء المتنازع عليه مالا فبإمكانه أن يسق إبلا أو ماشية ويضع يده على ممتلكات عينية ويرهنها ويحجزها عنده حتى يأخذ حقه. وإذا لم يستطيع أخذ حقه بيده أو لم يجرؤ على وسق ماشية فيلجأ إلى رجل ذي شأن ويستجير به ليخلص إليه حقه سواء عن طريق القضاء أو كرها.

 أما إذا استجاب للبدوة فيحدد المكان والزمان ويجتمع الطرفان عند راعي بيت ويطلق عليه اسم الملم.

• الملم:

هو راعي البيت الذي اتفق الطرفان المتخاصمان على الالتقاء عنده للتداول في قضيتهما وحصرها في نقاط محددة. وقد تحل القضية عن الملم ويتراضى الطرفان. والملم يجب أن يكون على معرفة تامة بالقضاء البدوي. وينور الطرفين ويحاول إقناع من رأى أنه على ضلال ويهديه إلى الطريق القويم. والملم مشهود له بالنزاهة والعدالة أما إذا اختلفت على تحديد الملم وكان الطرفان من قبيلة واحدة يعدون الملام الثلاثة لأنه معروف أن لكل قبيلة ثلاثة ملام يعدف كل طرف واحد فيذهبان عند الملم الثالث الذي لم يعدف. والملم لا يغرم ولا يجرم بل تبحث عنده القضية وتقرم.

وقد يتقاضى الطرفان عند الملم إذ يقول أحدهما<<هذه رزقه مشروي( أي بيع وشراء) عند راعي البيت في كل ما يهمني. ويدفع الطرف الثاني رزمة مقابلة ويتقاضى الطرفان بعد تعيين كفيل كل منهما ليكفل الحق وإيفاءه الذي يصدره هذا القاضي.

 وفي الظروف العادية يلتقي الطرفان عند الملم وكل مصطحبا كبيره أو رجلا ناطقا باسمه يسمى <<لسانا وهو بمثابة المحامي. وقد يقول أحدهم لآخر بينهما طلابة: لا قيني عند القاضي فلان وإن ما لحقت عليك الشيء الفلاني أفك رزقتك وأشيل القالة والثقالة>> (أحمل الملامة وما يترتب على ذلك من أعباء).

• الحصى:

دفن الحصى: هو الإنفاق على التقاضي بشأن قضية محدودة, وبحضور صاحب البيت (الملم) قد يمسك الطرف المبدي حصاة من الأرض ويقول: << وداعتك ياراعي البيت أنا متهم فلانا بالقضية الفلانية وهذه حصاتها>> (ويدفن الحصاة في الأرض) ودي يسلمني رسنه حتى آخذ حقي منه عند أهل العلم>> (القضية إلى الملم للتأكيد من أمر ما. وصاحب البيت وهو الذي عنده مدفن الحصى أو مربط العلم وقد يقول الطرف الثاني: هذا طرفي (ويمسك بطرف عباءته أو ثوبه أو عمامته)<<في الحق الذي تلحقه علي بشأن القضية الفلانية>> ودفن حصاة كذلك للدلالة على حصر القضية في ما تحدث عنه فقط.

2. قرط الحصى: أي رميها وهو لإخراج قضية فرعية عن القضية الأساسية أو تحييدها وتأجيل البحث فيها مؤقتا والرجوع إليها لاحقا.

 فإذا اعتدى رجلان على آخر وطالب أحدهما بالمثول عند راعي بيت, يقول هذا الرجل في بيت الملم.

أنا أسلمك رسني لأعطيك حقك فيما بدر مني أما فلان فلا شأن لي به وهذه حصاته>> (ويلقي بحصاة بعيدا). أو يقول المدعي <<نحن بصدد بحث القضية الفلانية فقط أما باقي الأمور فهذه حصاتها>> (ويرمي حصاة جانبا) وكأنه يحدد قضية خاصة ويلقي ما عداها جانبا لنبحث مستقبلا أو تهمل أو تحيد مؤقتا.

• الخط:

بعدما تحدد القضية وتحصر بخط المبدي عليه ثلاثة خطوط بالسبابة الوسطى والبنصر ويقول: <<هذا لك ثلاثة كبار (ويعد أسماء ثلاثة قضاة) في الذي تلحقه علي <<فإذ رضي الطرف الثاني بالقضاة يصار إلى العدف وإذا لم يرض يتداول الطرفان بحضور الملم في القضاة. وقد يتقاضى الطرفان في تحديد القضاة الخاصين بحل المشكلة. وإذا كان الطرفان المتخاصمان من قبيلتين مختلفتين يخطان ثلاثة قضاة مختلفين يكون قاضيان من قبيلتي الطرفين والثالث من قبيلة أخرى محايدة.

• العدف:

ومعناه في اللغة الأكل وهو هنا يتخذ معنى مجازيا إذ بعدما يخط المبدي عليه ثلاثة خطوط ويسمي القضاة يعدف المبدي و واحد يختاره ويتوخى فيه العدالة والإنصاف ليعود إليه إذا ما شعر أنه قد غبن عند القاضي الأول, ويعدف الطرف الثاني قاضيا ويبقى الثالث حيث يضرب الطرفان موعدا للتقابل عنده ويعينان كفيلي <<إجماع وإحضار>> ومن يتخلف عن الحضور عن الموعد المحدد عد <<مفلوجا>> أي خاسرا, ويحق لأحد الطرفين رفع الميعاد (موعد التقاضي) لمدة ثلاثة أيام وأكثر ولا يحول دون الحضور سوى ثلاثة حوائل المطر والسيل المرض الشديد والموت حجز الدولة.

كل هذا يحدث بحضور الملم ويكون مسؤولاً عما دار في بيته من نقاش وتحديد للقضية ويرجع إليه القضاة للبت في أمر قد يتنازع عليه الطرفان لاحقا القاضي والملم مصدق وقوله هو الفصل.

  أما إذا اتفق الطرفان المتخاصمان على الذهاب إلى التقاضي بدون ربط علم ودفن حصى عند الملم بل اكتفيا بالإجماع عند رجل عادي لم يشهداه  ويودعاه ما جرى واختلفا عند القاضي فيما ربطاه من علم يحيل القاضي الطرف المكذب إلى هذا الشاهد الذي سمع ما دار أمامه فيكون القاضي في الصورة الحقيقية لما جرى فالذي سمع ربط العلم بدون شكل رسمي يحتاج إلى تطبيقه خاطر, أما راعي البيت (الملم) الذي كان على علم في تحديد القضية وشارك في صياغتها لا يحتاج إلى شيء وهو ملزم عرفيا بإعلام القاضي بالحقيقة إذا ما احتيج لذلك.

• قد يتفق الطرفان المتنازعات من نفسيهما أو من عند ملم للتقاضي أمام قاض واحد على أن يرضيا بحكمه ويطلقون عليه اسم واحد وحيد, وغالبا ما يتم هذا الأمر لمعالجة القضايا العاجلة. ويكون حكمه ملزم التنفيذ.

• قد يذهب الطرفان لقاض ويبحثان قضيتهما عنده بقولها <<نحن عندك اليوم من أجل التقاضي بشأن القضية الفلانية وإخوانك في لسانك>> فيذكر هذا القاضي اسمي قاضيين آخرين يعدف كل طرف واحد منهما ولا يجوز عدف القاضي الحاضر<<راعي البيت>> وفق القول المشهور<<الرجال ما تنعدف>> إذ ليس من اللائق الذهاب للتقاضي عند قاض غائب بعيد وترك هذا القاضي الحاضر, أما إذا لم يعجب الحكم أحد الطرفين فمن حقه أن يطالب القاضي بإسناده إلى القاضي الذي عدفه وسنفي هذا الأمر حقه لاحقا.

• إذا جاور رجل غريب قبيلة وحدث بينه وبين أحد أفرادها نزاع يحق لهذا الغريب أن يطلب من غريمه أن يلاقيه عند ثلاثة قضاة من ثلاث قبائل (عند ثلاثة كواكب) إن خشي أن لا ينصفه قضاة القبيلة التي جاورها.

• الكفيل:

حين يتقابل الطرفان المتخاصمان عند القاضي في الموعد المحدد يطلب القاضي من كلا الطرفين تعيين كفيل ليكفل تنفيذ ما يحكم به القاضي, ومن شروط الكفيل أن يرضى به الطرف الآخر ويكون ميسور الحال ليسد ما يترتب على من كفله في حال رفضه الإيفاء بالحق الذي لزمه من عند القاضي, وأن لا يكون قد قصر في تحصيل حق كفله في السابق.

ومن الشروط الواجبة في الكفيل أيضا أن لا يكون مكبورا أي له كبير من خمسته باستطاعته أن يسفه أقواله (أي الأقارب الذين يرتبط بهم من الجد الخامس فما دون). وكبير أحد الطرفين المتنازعين لا يحق له أن يكون كفيلا لفريقه. قالوا: <<قبيل وكفيل لا يجوز>> وينبغي أن يكون الكفيل محايدا كي لا يتقاعس في تحصيل ما كفله أما إذا قبل الطرف الآخر بكفل كبير خصمه فيجوز ذلك وقد يكون الكفيل غائبا ويرمي وجهه والكفيل الحاضر يتم تعيينه برضاه أما الغائب فهو مجبر وقيل في ذلك: <<الحاضر حر والغائب مضطر>>.

أنواع الكفلاء:

1. كفيل إجماع وإحضار: هو الذي يتكفل بأن يحضر الطرف الذي كفله عند القاضي في اليوم المحدد, وإذا وصل الطرفان إلى القاضي ينتهي دور هذا الكفيل.

2. كفيل فك رزقه وحق:  يتكفل هذا الكفيل أن يدفع من كفله الحق المترتب عليه من جراء الحكم الصادر عن القاضي ودفع قيمة الرزقة في حالة خسارته وقد يطلقون على هذا الكفيل اسم <<كفيل صملان>> أي يكفل الإيفاء بما يصمل من حق أي ما يبقى من حق بعد إنهاء المشكلة.

3. كفيل وفا: هو الذي يتعهد ويتكفل بأن يفي الطرف الذي كفله بكل ما يترتب عليه من حقوق مادية ومعنوية وينفذ ما يحكم به القاضي وبعضهم يشترط أن يحدد في سياق طلوع الحق <<بأن هذا في عرض الكفيل لا شفة ولا هفة, دفاع خسار. ورغم ذلك يجب مطالبة الغريم قبل مطالبة الكفيل بإيفاء الحق وإلا كان باستطاعة الكفيل تغريم مطالبة بالسداد قبل الرجوع إلى غريمه, وإذا رفض المكفول بالإيفاء بما ترتب عليه يطالبه الكفيل بالإيفاء ويلحق عليه عن القضاة قيمة ضعف الحق السابق لأن الكفيل في العرف البدوي <<قرشه بقرشين وسوقه بسوقين>> أي إذ دفع قرشا من كيسه يأخذ بدلا عنه قرشين وإذا دفع بعيرا يسترد ممن كفله بعيرين. قالوا <<الكفيل إن دفع من ماله وصلب حاله يحلق المثني على من كفله>> ومدة الكفيل أربعين يوما إي إن عجز الغريم في تحصيل حق من غريمه وأبدى عليه في ذلك ثلاث مرات فيحق له أن يطالب كفيله بالحق على أن ينتظر أربعين يوما كي يحصل له الكفيل حقه. قال أحدهم واصفا ما يعانيه الكفيل من عناء ومطالبة العميل: دقة عميلي في عبارة كفيلي تسوى عباتي ومن عباتي عباتين.

4. كفيل دفا (دفء): هو الذي يتكفل الطرف المتضرر جسديا أو ممن طعن في عرضه ويتعهد بأن لا يغدر من كفله أو يخل بالاتفاق بعد المصالحة وأن يسود الوئام ويستتب الأمن بين المتطرفين وإذا اعتدى المكفول بعد ذلك يعتبر اعتداؤه بالنسبة للكفيل تقطيع وجه ويحق له مقاضاته عند المناشد.

والكفيل مقصورة على الرجال, ولا يجوز للمرأة أن تكفل.

5. كفيل كفلاء: في القضايا العويصة يعين كفيل زيادة على الكفلاء السابقين يسمى كفيل كفلاء ويلجأ أحد الطرفين إذ قصر كفيله في تحصيل حقه من غريمه.

*التفويل:

هو اعتراض كبير أو نقضه لاتفاق أبرمه أحد أقاربه ممن تربطه به قرابة من الجد الخامس فما دون ويدخل في ذلك البيع والشراء والتحالف وإعلان العداء أو المصالحة وعلى الكبير أن يصرح بالنقض (التفويل) في غضون ثلاثة أيام ويرسل لمن تعامل معه قريبه ويقول <<إن فلانا مفول>> أما إذا ربط هذا المفول اتفاقيات سابقا ولم يعترض عليه أحد من قومه يحق لأحد أن يفوله, كما لا يجوز تفويل الرجل العاقل الذي عنده ديوان ويتحدث في المجالس إذ يقول من تضرر بالتفويل <<كيف تفول هذا الرجل وهو بكرجه مليان وانثلم في ديوان>>.

أما في حالات الدم سواء في القتل أو الضرب والكسر والجروح فإذا أتت جاهة إلى صاحب الدم وفات حقه أو سامح وأعفى أو أخذ حقه حسب طلبه وأخذ كفيل دفا, ولا يحق أن يحي الدم حتى لو كان الكبير واقفا لا يملك أن يقعد ويغول أو يقول هذا مكبور, ولا يحق لأحد حاضرا كان أم غائبا أن ينقص ما اتفق عليه حتى لو كان الذي سامح وصفح مكبورا أو راعي غنم وقالوا: <<أن الدم كالزجاج إذا كسر لا يجبر>> وقد شرع العرف البدوي ذلك منعا للشر وحصرا للفعل ورد الفعل.

 وقد يقول المفول لمن احتج عليه <<أن هذا الرجل من خمستي وأنا كبيره وصحيح أنه يبت في بعض المسائل ولكنه يجهل حق هذا المشكلة وأنا أجعله يقر أمامك بهذا>> هنا يجب علي القبيل أن يرضي بالتفويل>>.

• المساواة بين الخصمين:

على القاضي أن يساوي بين المتنازعين في المجلس والمأكل والمشرب والاحتفاء والاستقبال, والقاضي لا يقضي إلا في بيته وقديما قالت العرب <<في بيته يؤتى الحكم>> ومن المأثور في المساواة بين الخصمين: عن الشعبي أن أبيا أدعى على عمر بن الخطاب دعوى, فلم يعرفها, فجعلا بينهما زيد بن ثابت, فأتياه في منزله, فما دخلا عليه قال له عمر: جئناك لتقضي بيننا, وفي بيته يؤتى الحكم قال: فتنحى له زيد عن صدر فراشه فقال: هاهنا يا أمير المؤمنين فقال:جرت يا زيد في أول قضائك, وما كنت لأسألها لأحد غيره, قال, فحلف عمر, ثم حلف لا يدرك زيد القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء.

 وعن الواقدي قال: حدثنا محمد بن نعيم عن أبيه قال: شهدت أبا هريرة يقضي, فجاء الحارث بن الحكم, فجلس وعلى وسادته التي يتكئ عليها, فظن أبو هريرة أنه لحاجة غير الحكم, فجاء رجل, فجلس بين يدي أبي هريرة, فقال له: مالك ؟قال: استأذني على الحارث, فقال أبو هريرة: قم فاجلس مع خصمك, فإنها سنة أبي القاسم.

هناك قصة عن قضاء نوري الشعلان تقول: مر رجل يقود ناقته برجل شراري, يرعى إبله ومعه بندقية, فأعجب صاحب الناقة بالبندقية, فابتاعها من صاحبها بناقته رأسا برأس, وبعد أن مكث خمسة عشر يوما يطوف على النجوع ويطلق  الأعيرة النارية في الأفراح, عاد إلى الشراري, وقال أعطني ناقتي وخذ بندقيتك لا حاجة لي بها. فرفض الشراري, وقال: افرض أن ناقتك ماتت,أنت قضيت مرامك بالبندقية والآن تريد إرجاعها, لا أقللها أبدا. وبعد أخذ ورد احتكما لنوري الشعلان, وحين قدم الشراري إلى ديوان النوري جلس على طرف مع عامة الناس في حين مخاصمه إلى صدر المجلس وسلم على النوري وعانقه, وأبلغه سلام أصدقائه وأقاربه, وأخذ النوري يسأله عن بعض معارفه وأدنى مجلسه, وقص له قصته مع الشراري, فقال النوري مخاطبا الشراري: أنت ياالشراري, ليش ما ترد لهذا الرجل ناقته وتأخذ بندقيتك أنتم عندكم إبل كثيرة وهذا ما عنده غير هذي الناقة يرد عليها ويسقي عياله, ردها له وخذ معدود العدل مفقود (أي مادام هناك غاية ومحسوبية فقدت العدالة).

والقضاء البدوي أولى بالتسوية بين الخصمين اهتماما كبيرا,إذ لا يحق للقاضي أن يرحب بأحد الطرفين ويتجاهل الآخر, ولا يكلم أحدهم على انفراد في خلوة وإلا ودارت حوله الشبهات.

*الصغية:

هو من لا يؤاخذ على فعل اقترفه, فهو لا يعرك ولا يدرك, ما يعرف التمرة من الجمرة والصغية يقابل في المصطلحات الحديثة الحدث صغيرة السن ويشمل الأبله والأحمق ويقول ولي الصغية إذا ما ارتكب جرما: <<هذا ولد أقدر أحطه في الثقال وأقرطه في ملعب العيال>> (أي أستطيع أن أضعه في الثفال وأرمي به في ملعب الأطفال ولا يقاوم) وقالوا في وصفه أيضا: <<إذا قعد ما شمر وإن قام ما جمر>>(إذ قعد ليقضي حاجته لا يشمر ثوبه وإذا قام من ذلك لا يمسح أو ينظف أعضاءه) وقالوا فيه:<<يتلط على زوره وينرد عن شوره>> (أي يضرب على زوره ويرد عن رأيه) فهذا إذا اقترف جرما لا يحاسب عليه ولا يحق لأحد أن يبيعه أو يشتري منه أو يبرم مع اتفاقا بل يلحق من يتعامل معه حق كبير لتعامله مع صغية بل عليه أن يبحث عن كبيرة ويتفق معه <<والصغية لا يفوز ولا يجوز>>.

*الرزقة:

هي وفق المصطلحات الحديثة رسم القضية وكان في الأصل يعلق كل طرف من المتنازعين عرضا كسيف أو عباءة أو فرنسا ويحدد القاضي القيمة المادية لهذه الرزق وهو يقارب خمس قيمة الشيء المتنازع عليه, ولكن عمليا تحدد قيمة الرزقة وفقا لمستوى المعيشة, ولأهمية القضية وتكون دائما مبلغا يرضى به الطرفان. أما رزقة المرأة سوراها, ورزقة الراعي عصاه إذا ما تقاضى مع معلمه. فإذا اجتمع طرفان عند القاضي وعلق كل منهما سيفا, يقول القاضي هذه الرزق معلق كل منها بعشرة جنيهات, وتظل مرهونة لدى القاضي لحين إعطائه عشرين جنيها فإذا رضي الطرفان بالحق الذي حكم به القاضي الأول يفك الخاسر الرزقتين ويدفع العشرين جنيها. وإذا رفض دفعها يطالب كفيله بها. وبعض القضاة يعيد الرازق إلى أصحابها ويحرم أكلها وبعضهم يساهم بالرزقة في الطيبة والصلح بين الطرفين ويساعد الدافع إن كان فقيرا.

• رزقة السنود:

أما إذا رفض أحد الطرفين حق هذا القاضي <<حقك منكوت>> (أي ملقى على الأرض) استدني على معدوفي. يقول له القاضي إدفع رزقة سنود وهي نصف الرزقة الأصلية. إذا على الناكت أن يدفع خمسة جنيهات ويقول كل حجته فإذا تطابق الحكمان (أي حكم القاضي الثاني بما حكم به القاضي الأول) حيث غالبا ما يقول  القاضي الثاني : <<حق جاني أشده ما أهده>> فعلى الخاسر ويسمونه <<المفلوج>> أن يدفع أربعين جنيها ويفك الأربع رزق وخمسة جنيهات أخرى رزقت السنود أما إذا خالف حكم القاضي الثاني حكم الأول, فأصبح هنا حكمان متناقضان يذهب الطرفان إلى القاضي الثالث الذي عليه أن يرجح ويؤيد أحد الحكمين السابقين وبذلك يدفع المفلوج جميع الرزق العادية ورزقتي السنود ( التي أخذها القاضي الأول والقاضي الثاني. حيث أن الطرف الرابح عند القاضي الأول ينكت حق القاضي الثاني الذي خالف القاضي الأول  فيدفع نتيجة ذلك رزقة سنود) إذن يدفع المفلوج سبعين جنيها. ويسمى الطرف الذي خسر القضية وتحمل الرزقة <<المبطل>>.

أما في حالات القتل فالذي يتحمل الرزق الطرف الرابح وتخصم من الدية أو الطيبة. وما يبرر للقاضي أكل الرزق لأنه يذبح الذبائح ويقدم الطعام للمتقاتلين عنده وما يرافقهم من وفود غفيرة.

• الرزقة المعترضة:

إذا تطرق أحد الطرفين لأمر طارئ وادعى أن خصمه قد غبنه فيه يقول الطرف الآخر: هدي رزقة معترضة عند راعي البيت إن كنت تلحق الشيء الفلاني. وهنا يمكن أن تؤجل القضية الأساسية ويباشر في حل هذه المشكلة الطارئة ويتم التقاضي بشأنها ويدفع كل الطرفين رزقة جديدة وقد يتم تسوية الخلاف العرضي بالتفاهم والإقناع بدون قضاء ويعود الطرفان إلى القضية الأساسية.

* اللسان:

يحضر كل طرف متحدثا رسميا باسمه عند القاضي, فإما أن يحضر كبيره للتحدث أو يوكل رجلا ضليعا بالقضاء ومحنكا ليرافع عنه, وأحيانا يلجأ أحدهم لاستئجار رجل بالنقود ويسمى هذا <<لسانا>> ويجب أن يكون اللسان خبيرا بالقضاة وفروعه وأسراره وملما بأحداث سابقة والحكم فيها ويفيض فوره بالأمثال والحكم البليغة والأقوال المأثورة, ورأي اللسان ملزم للطرف الذي ينوب عنه, وقد يجري التشاور بين اللسان وموكله كلما دعت الضرورة إلى ذلك, ويحق للموكل أن يغير اللسان في كل مرة عند كل قاض, كما يحق له أن يوقفه قبل المرافعة إذا شعر أنه يميل للطرف الآخر ويرفع الميعاد كي يوكل لسانا آخر.

• الحجة:

حين يجتمع الطرفان عند القاضي يعين كل طرف كفيلا ويعلق رزقه عند القاضي, وغالبا ما يتم التحدث أو فتح المشكلة بعد الغداء أو بعد العشاء يقول القاضي للطرف البادي: استبدي يا فلان فيتقدم كبيره أو لسانه ويجلس أمام القاضي إذا كانت دائرة المجلس واسعة أما إذا كان بإمكانه إسماع القاضي والجميع حجته يتحدث وهو في مجلسه. فيبدأ حديثه بتحية القاضي أن ينتحنح ليسلك صوته فيرد القاضي التحية ويضيف المتحدث أحد المطالع التالية:

ـ أجيك بالعوافي يا قاضي وحق الله ما هو هافي.

فيجيبه القاضي, الله يحي اللافي.

جيتك هدي قدي ما تنقضي الحجات غير بالصلاة على النبي.

فيصلي القاضي على النبي.

أو يقول المتحدث: ايش قولك يا عارفتنا ياصلاة ترضى محمد فيصلي القاضي على النبي ثم يسرد حجته بكلام بليغ مسجوع مثل:

<<إيش قولك يا قاضي العرب يا فكاك النشب في هالرجل إلى من عماه وأساه وقلة هداه ضرب ولديه وهو ساهي لاهي لا هاش ولا ناش, ولا جاته منا موسية ولا دروب ردية. والله ويوم إني دنيته وع فراشك ثنيته, وحطيته بين ساق ودليل ولزمت عليه اللزم والكفيل إني أقول إنك تغرمه وتجرمه وأنا داخل على الله وعلى النبي وأربعة وأربعين ولي أولهم محمد وآخرهم علي وأنا والله ودي السلاك ولا أنا من طلابين الهلاك والله وأنا قدرت أخليها عليه نار تحرق وبحر يفرق, وجرن ما يطيب وشمس ما تغيب وكان إنت تقول إنه يحق له يضرب العيل أحطها في جربان وأدير بيها على العربان وأقول هذه قالها فلان>>.

ثم يختم حجته بقوله <<وحجة رجل بليم عند رجل فيهم>>.

فيرد القاضي: <<ما بك بلم>>

ثم يطلب القاضي من الطرف الآخر أن يدلي بحجته, فيأتي بمقدمة كالسابقة ثم يحاول تفنيد حجة خصمه كأن يقول:

 <<والله يا قاضي الرحمن كل هذا بهتان من لسانه للشيطان ما جينا عليه بأسا ولا بضربه عصا وأنا لا هبيت ولا ساسيت ولا واسيت وأنا أقول عني وعن اللي يخصني ولا صار لا عصب قطيع ولا دم نقيع والهرج ضراط أفم وأنا عندي شهود قعود وايش قولك في اللتقي النقي إن دورت فيه العيب ما يلتقي اللي كان قاعدا على اللي صار وأنا أقول أن التهم اللي اتهمني إياها باطلة ويا يأخذ يمين يا يعطي يمين ودقن يجزها الحق خصاب. أما هذا الرجل ما له عودي حق يستحقه>>.

 ثم ينهي كلامه السابق: <<وحجة رجل بليم عند رجل فيهم>> فيرد القاضي : ما بك بلم<< ولا يجوز لأحد أن يقاطع المحتج أثناء الحجة, إلا أنه يحق للمحتج الأول أن يعقب على حجة الثاني, وقالوا في ذلك البادي أو حجتين>>.

• تشريع الحجج:

بعد أن ينهي الطرف الثاني حجته, يقوم القاضي بتشريع حجة الأول ويحاول إعادة النص مع سد الثغراب وتجميل الهنات وهذا يدل على أن القاضي قد فهم الحجة بعد أن أصغي إليها باهتمام وبكل جوراحه فيقول: جاني فلان وقال... وبعد أن يكمل حجة الأول ويقول لصاحبها: هذي حجتك يا فلان؟ فيجيبه: وزود (أي وزيادة عليها) أما إذا رأى نقصا فينبه لذلك. والقاضي يغربل الحجة وإذا ارتاب من كلمة طلب إسنادها أو حلف يمين عنها ويستأنف القاضي قوله: وعقبه فلان ولا هو من العاقبين. ثم يسرد حجة الثاني مع التحسين والتجميل. وبعد أن ينهي الحجة الثانية يسأل الطرف الثاني بقوله: هذي حجتك يا فلان فيجيبه: وزود.

  ثم يتجه إلى الحضور فيقول: علقنا رزقكم وشرعنا حججكم والصلحة على الجماعة <<أو يقول>> تشريح الحجج على القاضي والصلح على الجماعة أو على الحضور والصلح سيد الأحكام. وبعد أن يشرع القاضي الحجتين تتضح المشكلة تماما ويبدأ الحضور في التداول ومحاولة إصلاح ذات البيت حيث يوجد جمع غفير من ذوي الاختصاص وأحيانا يكون بين الحضور قضاة أيضا. وتدور المحاولات وراء الكواليس إلا أنه يحق للقاضي أن يخلو بأحد الطرفين فهذا يثير الريبة فالملم والقاضي وأي طرف يعين حكما لا ينبغي أن يخرج من الديوان ليخلوا بأحد الطرفين.

 فإذا تصالح الطرفان كان بها وإلا بطلب من القاضي إعلان الحكم. فيقول القاضي: الله يقدرنا على قول الحق, ثم يصدر الحكم بلغة موجزة لا تقل بلاغة عن لغة الحجتين ودائما يذكر القضاة: أنا في قضاي وفي عرفي وحسب العرف والعادة ونحن تبع ما نحن نبع إن هذي القضية حقها كذا وكذا وإذا تصالح الطرفان قبل إصدار الحكم لا يحق للقاضي أكل الرزق, أما إذا أصدر الحق فيحق له أكل الرزق.

  ـ من خطبة لعمر بن عبد العزيز <<ألا وإني لست بقاض ولكني منفذ, ولا إني لست بمتدع ولكني متبع>>.

* النكت:

إذا رضي الطرفان بحكم القاضي الأول تنتهي المشكلة ويتعهد الكفلاء بتنفيذ الحكم. ومن أعجبه الحق الذي أصدره والقاضي يقول للقاضي:<<الله يسند فردتك بالغلة>> ( وهو دعاء كي ينال القاضي خيرا وتملأ أكياسه الصوفية بالحبوب).

 أما إذا شعر بأنه ظلم ولحق حيف يقول للقاضي أنت في حقي أحجفت ومن ربك ما خفت, حقك منكوث, استدني على معدوفي.

  (منكوت: أي مرمي أو ملقي به على الأرض. ويطلب أن يحيله القاضي إلى القاضي الذي عدفه عند الملم).

وكما بينا سابقا يأخذ القاضي الأول رزقه سنود. ويحيل الطرفين إلى القاضي الذي عدفه رافض الحق ويضرب للطرفين موعد كي يجتمعنا عند القاضي الجديد وتتم نفس الإجراءات السابقة فإذا تطابق الحقان. ويقول القاضي الثاني:<<حق جاني أشده ما أهده>>.

( أي حق أتاني أدعمه ولا أهدمه) يدفع الخاسر الرزق الأربعة ويتحتم عليه تنفيذ الحكم الصادر عن القاضي الأول والمدعم بحكم القاضي الثاني. أما إذا تناقض الحكمان يذهب الطرفان إلى القاضي الثالث وهذا أمامه حكمان متناقضان وعليه ترجيح أحدهما. ويكون تطبيقه ملزما للطرفين ويدفع الخاسر الرزق الست ورزقتي السنود.


.................................

الباب الثالث: القضاة

يرتكز القضاء البدوي في جوهره على تسعة قضاة أساسيين. يطلق عليهم تسعة المنشد, وهم ثلاثة ملام, وثلاثة كبار, وثلاثة مناشد ويطلق البدو على القضاة أسماء منها: المخاطيط, أهل العلم , العارفة.

1. الملام:

قلنا إنه لكل قبيلة ثلاثة ملام, وقد يبدأ التقاضي عند الملام والملم مجلس تحقيقي يشبه في عمله النيابة في القضاء المدني, فهو لا يغرم ولا يجرم ولا يأخذ ورقة في الظروف العادية ومن عنده تحال القضايا إلى القضاة المختصين, فهو مدفن حصى للقا (للقاء) عند القضاة, وقد يعود إليه القضاة إذا تنازع الطرفان حول أمر ما.

2.الكبار:

كل قبيلة لها ثلاثة كبار معروفين, فهم يستطيعون البث في كل المسائل وبإمكانهم حل أي خلاف, وقد يحيل الكبار بعض القضايا إلى ذوي الاختصاص طلبا للعدالة. والكبار هم أهل العلم ويلقبون بالكواكب لشهرتهم العالية وهم يشذبون الأحكام العرفية لتتلائم مع العصر ويحددون قيمة الدية مدة فورة الدم. وهم الذين يبنون الصيرة ويهدمونها والصيرة حطب يرص ويبنى على شكل نص دائرة تذري سكانها من إنسان وحيوان من الريح, فالكبار إذن هم عماد البيت ويعالجون كافة القضايا من أخطاء وسرقات وخطأ اللسان والضرب والمشاجرات, فهم كمحكمة الصلح والمحكمة الجزائية وقد يحيل الكبار بعض القضايا إلى أصحاب الاختصاص كما أسلفنا فهم الذين يحيلون إلى المنشد وأهل الرسان وأهل الديار وإلى البشعة.

2. المناشد:

وهو نوعان: منشد إنشادة ومنشد قطع حق

1. الاول مأخوذ من كلمة نشد التي يستعملها البدو بمعنى سأل, فتحال إليه القضية من عند الملم من أجل مسألته هل يلحق صاحب هذه القضية منشد قطع الحق أم لا, ويدفع الطرفان عند هذا القاضي رزقة تبلغ تسعة إيل في بعض الأحيان وعلى وجه الدفة تبلغ عشر الطلابة.

2. منشد قطع الحق: تحال إليه القضايا الواضحة برضى الطرفين أو من عند قاضي المنشد السابق, وقاضي المنشد هذا هو الذي يفرض الغرامة وقالوا عنه منشد <<قرض وفرض>> أي هو الذي يقرض ويفرض وعلى الجاني أن يتحمل. والذي يدفع الرزق عند منشد قطع الحق هو الجاني فقط ولا يحق له أن يدلي بحجة (مبلم ما يتكلم) وقالوا يدفع رزقه ويتأخر في الوراء و (رزقة عله( عليه وحجة ماله) وصاحب الحق يدلي بحجة  قد تم الاتفاق عليها من عند القاضي المحيل لا ينبغي له الزيادة فهي مكفولة ومشهود عليها.

أما القضايا التي تستحق حق المنشد فهي قضايا العرض وتشمل صايحة الضحى, قذف امرأة بالفحش, كذا الاعتداء على رجل في بيته وانتهاك حرمة البيت (وتحدد بالبيت وأطرافه التي تضم المسافة التي تصل إليها العصى حين رميها من البيت) وتقدر بأربعين خطوة, وتقطيع الوجه الذي يعني الإساءة بعد أن يأخذ أحدهم كفيل دفا أو بعد أن يرمي أحدهم وجهه على قضية كأن يقول: وجي عليها أو عرضي عليها أو عليها وجه فلان (حتى لو كان غائباً).

وقاضي المنشد غالبا ما يكون واحدا  وحيدا إلا إذا استقل المجني عليه الحق, فيحق له طلب المنشد الثاني والثالث.

ونورد هنا نموذجا لحق المنشد صدر بشأن رجل اعتدى على امرأة في بيتها ضحى, فصاحت المرأة مستغيثة ونازعته, فقد ثوبها وبدد خرز قلادتها (خلي ثوبها قدايد وخرزها بداية) فهذه <<صايحة الضحى>> في العرف البدوي وكان حكم المنشد فيها:

 ويترتب على الجاني دفع ناقة عن كل خطوة خطاها في اتجاه بيت المرأة من مقامه, وعشرة إبل عن دخول البيت, وتبتر يده التي لامست المرأة أو تفدى بالمال, وجمل أوضح, خادم تقود وعبد يسوق, يدهن هذا الجمل بالقطران, ويتجرد المعتدي من ثيابه و يعبط هذا الجمل فكل بقعة من جسم الجاني أثر فيها القطران تقطع أو تسلخ من جسده أو تفدى بالمال, وعليه  إحضار بيت حديد يبيد الزمان وهو ما يبيد, وعبد طوله شبران ما يشرد من دبيب الخيل, وكل بند من البنود السابقة يوضح أمامه مبلغا من المال إما أن ينفذ أو يدفع بدلا عنه <<وأحيانا كثيرة يظل قاضي المنشد يعدد معاجز كثيرة فترى أحدهم يجثم عليه ويضع يده على فم القاضي كي يكف عن الزيادة.

 وعلى الجاني أن يبيض البيت الذي دخله بقماش أبيض, ويرفع ثلاث رايات بيضاء في ثلاثة دواوين لقبائل مشهورة وفي كل ديوان يقول راية فلان بيضا <<ويذكر اسم والد المرأة واسمها مباشرة).

  وهذه الأحكام التي تبدو جائرة قصد منها ردع كل من تسول له نفسه بالاعتداء على أعراض الناس, فهم يخشون ذلك خشيتهم من الوقوع في النار, لأن قاضي المنشد لا يرحم, وبعد حساب مقدار الحق يتدخل الناس نساء ورجالا وأطفالا ووجهاء لدى صاحب الحق كي يتنازل عن بعضه رأفة بالجاني, ولكن ما يتبقى يظل رادعا ومجهدا, إذ قد يبيع الرجل وخمسته كل ما يملكون من إبل وشياه وعقار كي يفوا بالتزاماتهم التي أصبحت في عرض الكفيل. هذا إذا رضي أهل المرأة بالقضاء, بل في العادة يغبرون على الجاني وخمسته ويعيثون فسادا وتقتيلا وعقرا وحرقا.

قضاة خاصون:

1. الضريبي:

وكان اسمه مشتق من المضاربة لأنه يفصل بين الطرفين المتنازعين في أحقية رفع القضية إلى قضاة تغريم أم لا, وكأن الطرفين يتراهنان وهو يفصل بينهما, وتحال إليه القضايا من عند الملام للبت في جوازها, فهو لا يغرم ولا يجرم بل يحيل بدوره إلى القضاة المختصين وعمله في ذلك يماثل الكبار, وتعتمده بعض القبائل اعتمادا رئيسيا مثل قبيلة السواركة والرميلات بينما تكتفي بعض القبائل بالكبار وقد يقضي الضريبي في القضايا العادية.

إذا الضريبي يفرز القضايا التي تعرك وتدرك ويحيل القضايا التي يرى أنها تستأهل إلى الزبادي أو المنشد أو أهل الرسان أو الديار.

2.الزيادي:

هو الذي يختص في القضايا التي يزيد حقها عن ثمنها أو تتضاعف غرامتها فتكون مثناة أو مربعة فيختص في معالجة قضايا وسق الإبل بدون حق حيث إن وسق الإبل أو غيرها لا يجوز إلا بعد أنه يرفض المعتدي دفع ما عليه من حق لغريمه وبعد أن يرسل له ثلاث بدوات وفي كل مرة يشهد ويودع عندها يحق له وسق الإبل كي يجبر صاحبها على الانصياع للحق.

  والزيادي يختص في قضايا الإبل نهبها وسقها وسرقتها وشرائها من صغية وقص وبرها, كما يعالج قضايا الأغنام كسر قتها أو الاختلاف على بيعها وقضايا العداية.

فالزيادة يختص في القضية التي تلحق مرتكبها زيادة عن قمتها نظرا لارتكابه الإثم أو وقع فيما يعرك ويدرك في مفهوم البدو. فإذا قرر الضريبي أن هذه المسألة تعرك وتدرك يرفعها إلى الزيادي ليحدد قيمة الغرامة ويخسر الجاني.

3. مناقع الدموم:

منقع الدم هو المكان الذي يجتمع فيه الدم كغدير الماء, والدموم جمع دم ويستشف من التسمية أن هؤلاء القضايا يختصون في مسائل الدم, سواء القتل أو الجروح البليغة والكسور, وفي تحديد الديات وتقدير قيمة الإصابات, ويطلق عليه اسم القصاصين أيضا, ومعظم مناقع الدموم في النقب وسيناء من قبيلة بلي مثل الهرفي وابن دلاخ وأبو دهثوم وأبو القيعان وابن حبينان.

4. أهل الديار:

هم القضاة المختصون بالأرض وكل ما يتعلق بها من بيع وشراء ورهن وارث وحدود  ويطلق عليهم اسم أصحاب القطاعات أيضا. وهم غالبا ما يكونون من أصحاب الأملاك, وهم ليسوا بالضرورة من قبيلة واحدة بل نجد أن بعضهم من القرويين أمثال النجار, أبي شعث, زعرب الأسطل, ويتقاضى عندهم البدو.

• وقد قال أحدهم في حجته دالا على ملكيته الأزلية لقطعة أرض: <<من يوم انبسط ترابها وزعق غرابه وأنا كرابها>> (أي حارثها) وقال الآخر في الغرض نفسه: <<من يوم هب ريحها ونبت شيحها وأنا فليحها>>.

فحكم القاضي بشأن هذه الأرض أن هذه الأرض لمن يسبق على استملاكها من الناس وحرم المتنازعين منها لكذبهما.

5. أهل الرسان:

هم القضاة المختصون بقضايا الخيل, وهم لاشك من أصحاب الخيول الأصلية يعرفون أصولها وأنواعها وأمراضها, وتعالج عندهم المشاكل الناجمة عن بيعها أو تفييضها أو تشبيتها أو إعارتها أو سرقتها ورعيها لمزروعات الغير, وهم على علم أكيد بصفائها ونقائها وعندهم دلائل خاصة يسترشدون بها نظرا للخبرة وطول المشاهدة.

ـ هناك قضاة عديدون ينتخبهم البعض لحل المشاكل المتعلقة باختصاص كل منهم, فقد نجد أحدهم يخط لصاحبه ثلاثة من أرباب الفلايح, وهم مزارعون لديهم معرفة بشؤون الزراعة والمزارعة سواء البعلية أو المسقية وما يستحقه المزارع والشريك وصاحب الأرض.

فبعضهم يخط ثلاثة تجار إن كان الأمر متعلقا بالتجارة, وقد يخطط آخر ثلاثة صيادين لأمور الصيد, أو ثلاثة كيفية إن كان الأمر يتعلق بالكيف من قهوة وشاي أو تبع. وهناك من يقول هذا لك ثلاثة هجانة إن تعلق الأمر بالسباق أو ثلاثة كرابة قشاط كناية عن التهريب وأموره, فهم قد اعتادوا على كرب أحزمة إبلهم لينقلوا عليها المخدرات من بلاد أخرى فهم أدرى بما يتعلق بشؤون التهريب من مشاكل وقد تحال القضية مباشرة إلى ثلاثة مهربين وقد يتقاضى اثنان عند ثلاثة كتاب إن تعلق الخلاف بشأن القراءة أو الكتابة. إذن القضاة الفرعيون لا حصر لهم واكتفينا بذرك القضاة الأساسيين وأسلوب وحيثيات القضاء.

من سمات القضاة:

والقضاء يكون محصورا في عائلات معروفة ومحددة من العشائر وعلى الخاط أن يذكر اسم القاضي وكنيته كي لا يحدث التباس أو مراوغة. فعند ذكر اسم العائلة فقط قد يذهب أحد الفريقين إلى القاضي المشهور بينما يذهب القبيل إلى رجل آخر من نفس العائلة, فلا يتقابل الطرفان في مقعد واحد وإذا طولب الطرف الذي تخلف عن الحضور عند القاضي الرسمي يسأل القاضي من حضر: (أنتم سميتم) أو (خططتم قضاة مسميين أو مغميين) أي ذكرتم أسماء القضاة بأسمائهم أو بكناهم. فإن قيل من قبل الشهود أنهم مسميون يخسر الغائب القضية أما إذا قال أنهم مغميون يعاد إلى ذكر الأسماء صريحة في بيت الملم, ومعروف أن ميعاد التقاضي <<ميعاد فلج>> أي أن المتخلف يخسر ويفلج.

ـ أحيانا يتهرب القضاة من استقبال القضية والحكم بها, ويتذرعون بالشغل أو المرض وقد يكون من أسباب ذلك تفاهة القضية أو عوج المتقاضين أو الخوف من مجانبة الإنصاف أو خشية الاتهام بالميل لأحد الخصمين, خصوصا إذا كانت هناك صلة قرابة بين القاضي وأحد المتخاصمين. وقد يحيل القاضي المتخاصمين إلى قاض آخر أو إلى أحد أقاربه.

ومن المأثور أن العرب كانوا لا يفضلون أن يعملوا قضاة خشية الوقوع في الخطأ وظلم الناس <<عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال : من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين>> وقال مكحول: <<لو خيرت بين القضاء وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي>> وقد ضرب ابن هبيرة أبا حنيفة نحوا من مئة سوط مفرقة على أن يلي القضاء فأبى>>.

وإذا مرض القاضي قد يرفع الميعاد لأجل آخر أو تحال القضية إلى قاض آخر. أما إذا توفي القاضي يعين رجال القبيلة قاضيا من نفس العائلة ممن لهم خبرة في القضاء ومشهود لهم بالنزاهة وحسن التدبير.

ـ وكثيرا ما نجد القاضي يستشير بعض العقلاء في حق جريمة ما, وأحيانا يرفع الميعاد أياما وأسابيع ليكون لديه متسع من الوقت للمشاوة والتثبت.

ومن المأثور أن أحد القضاة العرب احتار بشأن إنسان قدم إليه مع قوم حين طلب منه تحديد حصة هذا المخلوق من الإرث فلم يستطيع القاضي معرفة أهو ذكر أو أنثى, فأخذ القاضي يحوش حول الخباء, فرأت ابنته حيرته وسألته عن السبب فأخبرها بأمره, فقالت على عجل <<اتبع مبوله>> فأسرع إلى القوم الذين ينتظرونه وقال <<هذا يتبع مبوله>> (أي إن كان العضو الذي يبول منه بارزا عد ذكر أو إن كان غائرا فهي انثى).

ـ والقضاء لا يبت إلا في قضايا جادة ومدركة ومكفولة, ويترفع عن هذر الرعيان وعبث الصبية سواء كان ذلك في بيت الملم أو القاضي فالقضاة لا يأخذون بتكهنات العرافين أو المنجمين والسحرة وإنما يتحرون الحقائق العلمية, ويبحثون عن العدل والإنصاف فقالوا: دورناها ولقيانها والحق الواكد ما عنه>>( بحثنا عن الحقيقة ولا مناص من الحق الأكيد).

وقالوا: <<وكاد وهرج ركاد (أي شيء أكيد وقول ناضح هادئ) كما أن نقاش القضية يجب أن يكون أمام الملأ>> في سمع وجمع <<لا وراء الكواليس وديوان وبكرج مليان>> ( في مقعد للرجال يحتسون فيه القهوة الجاهزة لا في الخلاء) وقيل <<هرج مقرع في بيت مشرع>> و<<في حنية وركبة مثنية>> (أي في مجلس عامر بالرجال الجالسين لا النائمين المضطجعين) والحديث مبني على حقائق دامغة وقالوا في علاج المماطل الذي يتهرب عن الحقيقة<<إن لقيت اللوى الوى>> (أي إن وجدت من يناطح بقرون من طين ويجادلك بغير حق جادله, واللوى مشتقة من الفعل لوى وكأن المقصود إذا وجدت من يريد لوي عنق الحقيقة فجادله سولا تستلم).


.................................

الباب الرابع: القتل

قضايا القتل تحال إلى قضاة خاصين يطلق عليهم اسم <<مناقع الدموم>> ومعظم هؤلاء القضاة من قبيلة بلي منهم الهرفي ـ ابن جبينان ـ ابن دلاخ ـ أبو القيعان, كما تعالج الكسور والجروح البليغة أي تقص وتقدر قيمتها عند القضاة السابقين أيضا, وهذا لا يمنع بالطبع أن تحل قضايا الجروح والضرب عند قضاة عاديين كما أنه لدى قبيلة العزازمة مناقع دموم منهم ابن حماد ـ أبو سمرة ـ ابن صالح.

وتعد اقتراف جريمة القتل من الكبائر في العرف البدوي, يفوق ما سواه من الجرائم, وقالوا في المثل: <<الدم مغطي العيب>> ومن إحدى التفاسير لهذه العبارة أن القتل يمحو العار.


* أنواع القتل:

1. عمدا:  وهو ما يحدث نتيجة ضرب أثناء نزاع وقد أصر القاتل على عمله وقصده.

2. قتل النائم:  يمنع قتل النائم في العرف البدوي ودية النائم مربعة وتدل الجريمة على جبن الفاعل ورعونته.

3. قتل الأعزل:  يشبه قتل النائم فالعادة تقضي بأن يعطي الخصم الوقت الكافي ليستعد للدفاع عن نفسه ويطلق على الأعزل اسم <<المعور>>.

4. الغدر والغيلة:  دية هذا القتل مربعة ويسمونه الساهي اللاهي. يعامل معاملة النائم.

5. قتل الخطأ:  وهي أخف أنواع القتل وقالوا: <<الزلة يحملها السلطان>>.

6. القتل دفاعا عن العرض أو المال:  ويعتبر هذا القتل مشروعا وقالوا <<المال معادل الروح>> وقالوا: <<من أخذ قوتك دور ع موتك>>.

7. الانتحار:  قالو فيه قتال نفسه لا رحم.

8. القتل مع التمثيل في الجثة: ديته مربعة ويلحقها قص الطعنات مع مضاعفة أثمانها لأن الضرب في الميت حرام.

وفي عرف البدو أن من مد السلاح بنار أو عيار عد قاتلا, لذا لا يجوز المزاح بالسلاح مطلقا, ومن أطلق رصاصة على خصمه فأخطأته أو ضربه بسيف أو سكين ضربة في مكان قاتل, يقال له أي للجاني: أنت قتلت ولكن الله سلم, أو أنت نويت القتل والله ما أراد.

ومن اعترف بالقتل ولو مازحا بعد زمن بعيد عليه تحمل مسئوليته ذلك, فقد اتهمت عائلة ابن ناجي بقتلها رجل من عائلة ابن خميس, وأنكرت عملية القتل وتصالح الطرفان وإذ بشاعر بدع بعد عشر السنين يقول:

أنا ناجي بن ناجي                               ياخا إن في راسي نواميس

أدهس ع فراش الحاكم                          واقطع راس ابن خميس

وأحيا هذان البيتان القضية وعدا اعترافا دامغا, وترتب على قوم<<ناجي>> دفع الدية مربعة.

حكم قاضي دم في قضية متخاصمين أطلق أحدهما رصاصة فأصابت كتف الآخر, بينما لم يطلق الثاني النار بل اكتفى بتصويب بندقيته تجاه خصمه. وقد غرم القاضي الرجل الذي أصيب ولم يطلق دية رجل, أما الذي  أطلق الرصاصة فكان عليه دفع ثمن قص الجرح الذي أحدثه, وعلل ذلك بقوله: أنا من عندي أن من مد السلاح طخ ومن طخ ذبح وإن هذا الرجل (أشار إلى المصاب) مد سلاحه ربما لو تمكن من إطلاق رصاصته وهو لم أراد ذلك لما أخطأ هدفه وكان بإمكانه أن يثني برصاصة ثانية, ولكنه أطلق النار حجبا للشر ولمنع غريمه من الإطلاق عليه.


* الجلاء:

يبلغ الجاني أقرباءه حين حدوث القتل,لأنه ينبغي عليه وعلى دمومته الجلاء من مساكنهم فورا إذا كانوا مجاورين لذوي المجني عليه في السكن سواء أكانوا من عشيرة واحدة أو من عشيرتين متجاورتين وفي صف واحد. أما إذا كان القاتل من عشيرة بعيدة عن مسكن عشيرة المجني عليه فلا يتم الجلاء ويكتفي بالحذر والتجمع لأنهم قالوا<< اللي يطرف عن ربعه يستاهل>> أي من ابتعد عن أقاربه يستاهل ما يحدث له ويستحقه نظرا لإهماله ولا مبالاته.

ويعمد أقارب الجاني إلى أخذ العطوة من أقارب المجني عليه ليتمكنوا من الجلاء بقضهم وقضيتهم, ولكن في البدء يفر الرجال من سن 16 وحتى سن 60 ويستنجدون بأناس محايدين ليديروا شؤون حلالهم وزرعهم حين الجلاء.

ومدة فورة الدم ثلاثة أيام وثلث فور وقوع الجريمة وما يحدث أثناءها من نهب وعقر وتخريب ليس وراءه حق ولا مطالب, كله تحت الفراش لأن ذوي المقتول تملكتهم سورة الغضب  يستثنى من ذلك الاعتداء على النساء والقصر فهذا لا يجوز المساس به حتى في فورة الدم. أما إذا حدث تخريب وإفساد بعد العطوة فيطالب الفاعلون بما جنوه ويحسب من الدية أو الطيبة.

إذن إذا كان القتل حدث ضمن عشيرة واحدة فعلى الجاني وخمسته أن يرتحلوا ليلجئوا إلى قبيلة بعيدة ليطنبوا عندها إلى أن تحل المشكلة.

وإذا رفض ذوو المعتدي الجلاء فعليهم وزر ما يحدث لهم من اعتداءات, لأنهم لم يحترزوا في  مكان أمين بعد أن ارتكبوا جناية كبيرة. ويقع ضمن القتل الضرب المبرح والجروح والكسور البليغة فكلها يقتضي الجلاء خشية الانتقام.

هذا يكلف الجاني وخمسته بالابتعاد عن الأماكن التي يتواجد فيها المجني عليه وخمسته سواء كان ذلك في مرعى أو مسقى أو سوق وإذا تقابل الطرفان في طريق فعلى ذوي الجاني أن يعودوا أو ينحرفوا لئلا يتقابل أحد مع غريمه كي لا يثيره.

وإذا كان أحد أقارب المجني عليه جالسا في مجلس وحضر أحد أقارب المجني فعليه أن لا يجلس بل يعوج أدراجه. أما إذا كان أحذ أقارب المجني جالسا وحضر أحد أقارب المجني عليه فعلى قريب الجاني أن ينسحب من المجلس أيضا. وعلى كل حال على ذوي المجني أن يتجنبوا المقابلة وجها لوجه كي لا يثار الشر من جديد.


* الطلوع:

يحق للرجل وعائلته أن يطلع عن خمسته أو عشيرته إذا ما شعر بأنهم يكرهونه أو أنهم أساءوا إليه ولم يقفوا معه إبان محنته موقفا جيدا, أو شعر بأنهم يحتقرونه أو يتهمونه بأنه يجر لهم المشاكل أو يتطيرون معه, وأحيانا يتحدث الطلوع بعد خصام على أرض أو عرض أو مال, وعلى الطابع أن يشهد ويودع ويشهر الطلوع وربما يتم ذلك  بوضع الكفلاء عند راعي بيت معروف إذا يجب أن يتم الطلوع يصبح هذا الطالع وأولاده ومن طلع معه من أقاربه غير ملزم بالاشتراك مع خمسته في السراء والضراء, ولا يدفعون معه ولا يدفع معهم وعليه أن يقول في ثلاثة بيوت مشهورة: <<أنا طالع عن الناس الفلانيين ولا أشترك معهم لا في المال المشلول ولا في الرجل المقتول << على شرط أن يتم الطلوع قبل بروز مشكلة, أما بعد المشكلة فهناك ضرورة دفع بعير النوم.

وفي الديوان الذي تم فيه الطلوع على الطالع أن يذبح شاة تسمى شاة الطلوع ويأكل منها الحضور.


*بعير النوم:

ويطلق عليه اسم <<قعود النوم>> أو<<بعير الراحة>> هذا التعبير يدفعه الرجل الذي يلتقي مع القاتل بعد الجد الخامس في القرابة فيحق له أن يدفع لذوي المجني عليه بعيرا أو قعودا  ويمكث في بيته لا يجلو مع الجالين, وعليه أن يثبت أنه لا يلتقي مع الجاني في الخمسة جدود ثم يبرأ من الجاني بقوله: <<أنا دافع قعود النوم لا أساريه ولا أباريه أذبحه ومش في رواقيه>> وقالوا :الشر ما هو شركة لأنه هو الذي يسبب خروج الناس بعضهم عن بعض وهو الذي يسبب الطلوع. أما الرجل  الذي يلتقي مع الجاني قبل الجد الخامس لا يحق له  الطلوع ودفع قعود النوم بعد وقوع الجريمة إلا برضى ذوي المجني عليه وهناك من يقبل ذلك إذا كانت المشكلة داخل عشيرة واحدة فيحق للذي يلتقي بالجاني دون الجد الخامس إذا كانت المشكلة بين عشيرة وأخرى أما إذا كانت المشكلة داخل عشيرة واحدة أما إذا كانت المشكلة داخل عشيرة واحدة فالدافع  يكون من داخل الخمسة كذلك وعلى الوجهين يشترط لذلك قبول ذوي المجني عليه, وهو يقتل دافع بغير النوم بعد استلام التعبير يضيع حقه ويدفع دية اثنى عشر رجلا ويحط القالة والثقالة.
 

* التمشميس:

يحق للعشيرة أو لمجموعة الأقرباء أن ينبذوا رجلا من بينهم ويتبرءوا منه بسبب سوء طبعه أو سلوكه أو عدم التزامه بقوانين البادية وتعلن هذه المجموعة على الملأ <<أن فلانا دمه منشور ولا يحق لنا المطالبة بدمه إذا قتل وهو << مشمس>> أي متروك في الخلاء تحت الشمس لا تظله العشيرة بحمايتها. ولا يحق للمجموعة أن تشمس رجلا إبان اقترافه لجريمة ما إذ سيقول الطرف المعتدي: <<غسل هدومك وبعدين شمس>> أي حل مشكلته أولا وتحمل وزره ومن ثم تبرأ منه. ودائما يبدأ التشميس بعد أن تحل المشكلة وبعد أن تقتنع العشيرة بأن هذا الشخص المشمس <<عقدة شكل>> أي مسبب للإشكالات والمتاعب. ومن الأفضل أن تتخلص منه وترتاح من مشاكله.


* العطوة:

العطوة: هي المهلة أو الهدنة التي يطلبها الجاني بواسطة وجهاء محايدين وتؤخذ من المجني عليه. وعلى الجاني أن يبادر لأخذ العطوة بكافة السبل في الساعات الأولى للحادث أو الأيام الأولى لحجب الشر, حتى يتمكن أهل الجاني من الجلاء والاستعداد للصلح. وتؤخذ العطوة في الحالات التالية:

1ـ في التعدي على العرض. ويشمل الاغتصاب أو محاولته, أو السب والاتهام.

2ـ في القتل.

3ـ عند الضرب المبرح وإسالة الدم أو الكسر.

ومن لم يبادر إلى أخذ العطوة في الحالات السابقة يغرم ويجرم الجاني أن يدخل على رجل أو عشيرة قوية لتأخذ له العطوة أو يرمي هذا الزعيم وجهه على الطرفين ويحجب بذلك الشر.

وتؤخذ العطوة من صاحب الحق مباشرة أو من أي رجل من خمسته, حتى لو كان المعطي مكبورا, لأن الدم ما عليه <<فوال>> وقالوا في الدم إنه مكسر زجاج فإذا أتت جاهة إلى صاحب الدم وفاته لهم فواتا أي سامحهم في حقه أو أخذ طلبته بلسانه وأخذت الجاهة عليه كفيل الدفا, فلا يحق لأحد من خمسته  أن ينقص ما أبرم حتى لو كان كبيره واقفا عند رأسه لا يملك أن يقعد ويقول من أعطى كفيل الدفا, حتى لو كان الذي سامح أو صفح أو أخذ حقه أو أعطي العطوة ليس كبير ربعه, كما لا يحق للغائب أن يطعن في ذلك, والدم مسرابه واحد سواء كان المجني عليه مقتولا أو مجروحا أو مضروبا, وخلاصة ذلك أن الدم لا يحيا بعد موته (أي بعد الصلح) والدم لا يميته إلا صاحبه أو كبير خمسته.

وقد تعطى العطوة مجانا لمدة زمنية محددة وقد يطلب ذوو المجني عليه مبلغا من المال قبل إعطائهم العطوة يسمى <<فراش العطوة>> ويحسب من قيمة الحق وأحيانا يعتبرونه هافيا. وإن كانت العطوة تؤخذ لأول مرة من أي قريب  للمتضرر إلا أن تجديدها يتطلب موافقة كبير المتضرر لأنهم رضوا بأن يعطيها أي كان حجبا للشر إما تجد يدها فإنه يأتي بعد فورة الدم وفي وقت هدأت فيه الخواطر وثابت العقول إلى شدها.


* أنواع العطوة:

1ـ عطوة صافية: وهي ما كان الاعتداء فيها واضحا, وهذا يتوجب على الجاني أن يسعى  حثيثا لأخذ العطوة من المجني عليه وتركها يغرم الجاني ويضاعف الحق لاستهتاره وعدم احترامه لغريمه.

2ـ عطوة منشد: ويتفق الطرفان على أخذ عطوة المنشد في الاعتداء الواضح الذي يستوجب الذهاب إلى قاضي المنشد وهنا يعطي المعتدي رزقته إلى القاضي ويرجع إلى الوراء <<مبلم ما يتكلم>> ويدلي المجني عليه بحجته من طرف واحد.

3ـ عطوة فتاش: تؤخذ من الطرفين المتنازعين بواسطة وسطاء محايدين لحين القص وتثبت بوضع كفلاء لحين حل المشكلة عند قاض.

4ـ عطوة قصاص: إذا كان الطرفان قد تنازعا وتنوعت فيهما الضربات وكل طرف يشعر بأنه قد ضرب أكثر ولم يتنازل أحد الطرفين ويأخذ عطوة يدخل ثالث محايد ويرمي وجهه على الطرفين وتسود الهدنة لحين حل المشكلة وقص الإصابات.

5ـ عطوة رأس: وهي تطيبة خاطر لمن ضرب أكثر وعند القصاص يقص الطرفان وتؤخذ ممن ضرب أكثر.

6ـ عطوة حي ميت: إذا كان الصواب خطرا لا يعطي أهل المضروب عطوة إلا إذا انجلى الأمر وتأكدوا من إصابة رجلهم, وغالبا ما تطالب الجاهة بالانتظار للتأكد من حالة المضروب  خصوصا إذا كان الرجل الذي يريد أن يعطي العطوة بعيدا عن المصاب ولكن هناك من يعطي عطوة فورا وتسمى <<عطوة حي ميت>> أي على كلا الحالين سواء تشفي المجني عليه أو مات.

7ـ العطوة المشروطة: هناك من يعطي العطوة ولكن تكون العطوة مشروطة بشروط وإذا أخل الجاني أو خمسته بأحد شروطها تعتبر العطوة لا غير ومن هذه الشروط ما يثبت في الاتفاق ومنها ما يكون مفهموما ضمنا.

1ـ عدم مرور الجاني أو أحد أفراد خمسته عن المجني عليه أو خمسته إلا بعد الصلح.

2ـ إذا تلاقى الطرفان على الجاني أن يحيد عن درب المضروب احتراما له.

3ـ إذا قدم الضارب إلى ديوان ووجد المضروب جالسا فيه عليه أن يرجع.

4ـ إذا أتى المضروب إلى مجلس ووجد الضارب جالسا على الضارب أن ينسحب من المجلس كذلك.


* الدية:

هناك نص قانوني يتداوله البدو لمعاقبة القاتل يقول:<<غلام مكتوف أو أربعون وقوف>> أي إما أن يدفع لذوي المقتل غلام مكتوف الأيدي بدل رجلهم أو يدفع لهم أربعون بعيرا دية.

ورغم ورود هذا النص, إلا أنه لا يطبق حكم الإعدام في العرف البدوي. كذلك فهم لا يطبقون القانون الذي يعود إلى حمورابي السن بالسن والعين بالعين. بل هم ينفذون التعويض المادي بدل القصاص. ويقول القاضي في حكمه على رجل قلع عين آخر يقول إما تقلع عين الفاعل أو يدفع نصف دية رجل, ودائما يعتاضون بالبدل, إذن قيمة الدية أربعون بعيرا تسلم أو يدفع ثمنها, وابل الدية عادية أهمها العشرة الأولى حيث يشترطون لها شروطا إما أن تكون حمراء أو وضحاء وتحدد أعمارها أيضا أما الباقي فأي يعتبر يسد حتى لو كان ويسمونها <<إبل دم>> ويشترك خمسة القاتل أو عشيرته في دفع الدية تؤخذ من كل رجل بالغ كما توزع على ذوي المقتول الذين يدفعون معه أو يشتركون في الدفع إذا ما ألمت بهم نازلة والبعير الصافي يقيم بخمسة من الإبل العادية.

وقلنا أن دية المرأة نصف دية الرجل ولكنها تدفع مربعة أي تقدر بدية رجلين وهنالك من يحتسبها بأربعة رجال إذا قتلت وهي لم تشترك في المعركة أما إذا اشتركت فديتها نصف دية الرجل وكذلك إذا قتلتها امرأة. وتقص جروحها قصا عاديا.

 أما دين ابن العم فيدفعها الجاني وأسرته فقط وليس له ضربة لازم على بقية الأقارب وهناك من يدفع معه لمساعدته فقط.

ودية المنكور مربعة سواء كان قتلا أو سرقة وثبت التأكد بشهود أو اعتراف لاحق أو بشعة وإذا قتل رجل آخر ودفنه أو هرب ولم يبلغ عنه واكتشف لاحقا فديته أربعة رجال, كذلك القتل الذي في وجه الكفلاء ويسمونه في القتل في العرض أو الوجه مربع ويعطي صاحب الوجه حقه عند مبيضة الوجوه <<المناشد>> ويعطي ذوو المقتول أربعة رجال في هذه الحالة أيضا. وكذلك دية الغدر والبوق مربعه.

أما دية العبد فنصف دية الحر.

وعلى كل حال لا يفضل البدو العوض أو الدية ويعتبرون أن ليس فيها بركة مثلها مثل سياق المرأة فقالوا <<الدية وسياق الوليه ما يثرن>> ومن تبعات الدية الغره وإجراءات الصلح وسنبحثها بشيء من التفصيل.


* الدية المظلوله:

اسمها مشتق من الظل ويطلق عليها أحيانا الدية المستورة, تدفعها العشيرة إذا ما وجد رجل قيل في حماها حيث لا يعرف قاتله ولا سبب قتله فتلزم العشيرة بدفع الدية لذويه وهي تعوض أهل القتيل ماديا ولا تحصر دمع عند أحد بعينه أما إذا اكتشف القاتل فيترتب عليه دفع الدية مربعة كما ذكر.


* الغره:

هي فتاة تساق مع الدية من أقرباء القاتل, فيأخذها أحد أقرباء المقتول ولا تقام لها مراسم زفاف, وتبقى عند هذا الرجل إلى أن تنجب لهم ذكرا وحين يكبر هذا الفتى تقله أمه سيفا وتجعله يخطر أمام ديوان العشيرة فتقول ماذا تقولون في هذا أليس رجلا؟ فتجاب بلى. فتقول ألا يسد مسد رجلكم؟ فيقال لها بلى, فتأخذ ملابسها وترحل تاركة لهم رجلا من دمهم ولحمهم  بدل قتيلهم, وقد يلحق بها الرجل الذي كانت عنده فيخطبها من جديد وتزف إليه بعد دفع المهر وإقامة احتفال العرس فتعود إلى ابنها وبيتها ويسود الوئام.

وبعض البدو من يحسن معاملة الغره وبعضهم يعاملها بإزدراء وبعضهم معاملة عادية غير أن القانون العرفي يحمي هذه الفتاة ويضمن لها المأكل والملبس والمعاملة الإنسانية. وقد يسود الوئام بين الطرفين المتنازعين بعد أن تتوثق عرى العلاقات الاجتماعية بعد الإنجاب واسم الغره مشتق من الغرور وكأنها أخذت كرها أو غرر بها وأخيرا هناك من يدفع لذوي المقتول مهر فتاة الغره ويتكفل به بكل نفقات العرس ولكن الغره كانت سنة دارجة سواء أكان القتل بين أقرباء أم غرباء.

وذكرت الغرة في كتاب أقضية رسول الله للقرطبي وقال أن رسول الله (ص) قضى بشأن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى الرسول بغرة عبد أو وليده, والغرة عند الفقهاء ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء التي قضى فيها الرسول خمسون دنيارا.


* شروة الدم:

أحيانا يسامح ذوو المقتول في دية رجلهم على أن يشتروا دمه بأن يكون القاتل وذريته موالي لهم يساهمون معهم في أي مغرم أو دية تلحق بهم في مستقبل الأيام وتكون المساهمة من طرف واحد إذ أن ذرية المقتول غير مكلفين بالمساهمة مع ذرية قاتل رجلهم ولا يتحملون وزر تصرفاتهم السيئة وتعد هذه من باب الحسنى, ويقدم الجاني الواجبات مع من أحسنوا إليه حتى ضد قومه, ويحق لذوي القتيل أن يأخذوا من ممتلكات القاتل للقوت والضيافة, ويقوم لهم كي يجلسوا ولا يشرب القهوة قبلهم ولا يسير أمامهم, ولهم حق التبدي بالزواج من بناته أو في البيع والشراء منه ولا يحق لذريته التخلص من ذلك إلا بعد دفع الدية والاتفاق اتفاقا جديدا.


* الثأر:

يحق لذوي المقتول أن يثأروا لقتيلهم من القاتل أو أحد أفراد خمسته أو ممن تربطهم بالجاني قرابة دم حتى لو كانت بعيدة, على أن يكون الوقت خارج مدة العطوة, ويكون المثؤور منه ليس طالعا أو دافع بعير النوم. وإلا لحق الثائرين حق وربما قتل مضاد.

وأكثر ما يكون البدوي انشراحا عنده يأخذ ثأره, فنراه يغمس منديلا أبيض أو كوفيته في دم المنثور منه ويرفع هذه الراية الملطخة بالدماء على عصا ويقابل بالزغاريد والأفراح, ويسود اعتقاد مفاده أن من يأخذ ثأره يصبح صاحب كرامات وبركات لدرجة أن بعضهم يأتي إليه للتدواي من بثور الوجه حيث يقدح هذا الثأئر على الحبوب بالزناد فيتطاير عليه الشرور ثم يضع فيه زيتا وملحا وينفت على هذه البثور شريطة أن يكون ذلك وهو على الريق قبل تناول أي شيء. فيبرا المريض من هذه الحبوب التي يعتقدون أن مصدرها لدغة عناكب.

ويظل البدوي يهذي بثأره, وكلما طال الزمن وتناسى هول المأساة يأتي من ينكا هذا الجرح إذ قد يعاير من قتل له رجل إذا ما تصرف أحد أقربائه تصرفا عدائيا.

فيقال له لو أنك رجل صحيح لأدركت ثأرك, وهكذا من عبارات التقريع والمعايرة, وقيل <<أن البدوي أخذ ثأره في الأعراف البدوية له شروط ولكن قلما تطبق هذه الشروط التي منها أن المثؤور منه يجب أن يكون صحيح الجسم لا شيخا كبيرا ولا طفلا صغيرا ولا يقتل النائم إلا بعد إيقاظه ومناداته باسمه ثلاث مرات بحيث يسمع جاره النداء وجار جاره, وينبغي أن يحذر كأن يقاله له: << امتكن لا تقل باقني بوقا>> ثم يصبح الثائر با ثار فلان ويذكر اسم الرجل المقتول سابقا. وعلى من أدرك ثأره عليه أن يستجير بقوم محايدين ليتم الصلح والتصافي إذ قالوا: <<من استثار استجار>>.

أما القاتل فيظل دائما قلقا متنكرا حذرا لا يقر له قرار حتى أنهم شبهوا الرجل الذي يتنكر ودائم الحذر بقولهم: <<هذا مثل المدمي>> حيث يظل متوجسا خائفا يشك في كل شيء, وقد يتصرف تصرفا أرعن وأحيانا يقترف جريمة أخرى من فرط خوفه, وأهل المقتول يحمدون خوف القاتل وحذره لأنه يدل على أنه يحسب لهم ألف حساب وهناك قصة يرويها أهل النقب عن رجل قتل آخر وفر القاتل إلى مصر وعاش متنكرا متنقلا وغير اسمه وكنيته ولا ينام في ليل أبدا, وتضيف الرواية أن شقيق المقتول ذهب إلى مصر وعمل راعي غنم وظل يتتبع دروب قاتل أخيه إلى أن أدركه ذات ليلة وقرر قتله حيث كمن له قرب بيته فسمع امرأته تناديه كي ينزل عن هذه الشجرة وينام ويلقي سلاحه, فأجابها كيف أستطيع النوم ورائي فلان (يقصد أخا المتقول) لا أستطيع النوم ما دام حيا, فحين سمع هذا الكلام وأدرك أن غريمه يخشاه حتى وهو عائش بمصر في تنكر فخرج من مخبئه وأعطى القاتل الأمان وعاد به إلى فلسطين.

وإذا أدرك على الثأر يرجع الجالون إلى أماكنهم وقد تتم المصالحة بواسطة الوسطاء أو قد يتفاقم الوضع ويترتب على الثأر اعتداءات جديدة متبادلة بين الطرفين. وإذا سجن القاتل من قبل الدولة وأعدم فلا يحق لذوي المقتول الثأر من أحد إذ يعتبر هذا بدل رجلهم, والبدو لا يرغبون في تدخل الدولة في شؤونهم ومشاكلهم ولا يعجبهم حقها, ويفضلون أن يأخذوا حقهم بأيدي, فنادرا ما يشتكون إلى الدولة بل قد ينكرون أن يكون هناك اشكال إذا ما سئلوا من قبل الحكومة. وإذا بلغ ذوو المقتول عن القاتل وحبس من قبل الدولة ومات في السجن لا يحق لهم المطالبة بالثأر أما إذا أمضى مدة في سجنه وخرج فإنهم يطاردونه. وغالبا ما يتم أخذ الثأر والجاني ما زال في السجن بعد ما ازداد تدخل الحكومة في قضايا البدو وحجز القتلة في سجونها.

 * وجد صاحب ثأر أحد غرمائه في الطريق فانقض عليه وصرعه, وجثا فوقه واضعا سيفه على عنقه ليذبحه فذعر المبطوح وبال على نفسه وأخذ يضرط فتركه الغريم واعتقله استقلالا لشأنه ورأى أنه لا يسد في رجله القتيل, فعاد هذا إلى قومه وأخبرهم بما جرى له, فأرسل كبيرة بدوة إلى أهل طالب الثأر, واجتمع الطرفان عند قاضي الدم, وقال صاحب المبطوح في حجته: <<والله رجالي كلهم سمان ما هم خرفان يتسمنهم هذا ضعيف وهذا سمين, لماذا لم يذبح الرجل الذي لاح له>>.

 فكان حكم القاضي أن هذه البطحة تسد في الدم وليس لأهل القتيل حق يستحقونه بعدما وفروا الغريم.

* تشاجرت عشيرتان فقتل من الأولى رجل أسود <<عبد>>  وقتل من الثانية حر, وقال أهل الحر<< إن العبد الذي يشترى بالمال لا يسد في رجلنا الحر>>. واحتكموا لقاضي الدم, فقال في حكمه: نأتي بفنجان به قهوة وكوب به حليب ونضيف ما في القهوة إلى كوب الحليب فإن غلب الألون الأسود على الأبيض سد العبد في الحر>> وعند التجربة غلب اللون الأسود وصيغ الحليب فأجاز أن يسد العبد مسد الحر وأضاف <<عبد غيرك حر مثلك>> و<<كلنا أولاد حواء وآدم>>.

* يسود الاعتقاد أن من قتل يظهر له خيال يطلقون عليه اسم <<ونس>> في المكان الذي قتل فيه, يخيف الناس ويؤذيهم ويجفل الإبل ويباري المسافرين لمسافات طويلة ويظهر بأشكال شتى فقد يعوي كالكلب أو يقرقر كالدجاج أو يغني أو يصرخ وأحيانا يلقي حجارة وحصي على لامارة ولا يختفي إلا بعد أن يقدحوا شررا بالزناد والصوان أو يشعلوا نارا فتراهم يسيرون رافعي المقاييس المشتعلة. وقد يحلم أحد أقاربه ويرى في منامه أن القتيل قد أتاه وطلب منه طعاما معينا أو شاة, وحين يستيقظ في الصباح يصنع عن روحه نفس الطعام الذي طلب.

·       تدفع الدية دفعة واحدة إن كان القاتل وخمسته موسرين, وقد تقسط إلى أقساط تحدد مواعيد دفعها في عرض الكفيل, وإذا عجزت خمسة القاتل عن الدفع تراهم يهيمون على وجهوهم يستجدون القبائل ويلمون الزكاة والصدقات والهبات كي يجمعوا الدية, وربما تدخل الوجهاء للضغط على الطالبيين للتنازل عن بعض الأقساط والمسامحة في بعضها ويشرحون لهم حالة هؤلاء وبؤسهم.


.................................

الباب الخامس: الأدلة القضائية

* الشهود:

الشروط الواجب توافرها في الشاهد أن يكون أمينا صادقا تقيا, والتقى التقي إن دورت فيه العيب بما يلتقي  وللقبيل الحق في الطعن في الشهادة إن كان صاحبها قد حلف يمينا كاذبة أو سرق أو كانت فيه إحدى الخصال التالية:

1ـ بايق جاره (من باق جاره)

2ـ خاين المطمارة (من سرق مخزن جبوب والمطمارة مخزن الحبوب المدفونة في الأرض).

3ـ مفارق القرينين (من سعى بنميمة وفرق بين صديقين حميمين أو زوجين).

4ـ الخابر الصابر (الذي يرى في أهله نقيصة ويصبر على ذلك رغم علمه وهو الديوث) وهم يرضون بشهادة الرجل الواحد, ومن المأثور <<إن إياس بن معاوية أجاز شهادة الواحد متى كان عدلا>>. وهم يحذرون الشاهد من مغبة شهادة الزور ومن أقوالهم المرعبة لم يريد أن يدلي بشهادته:

<<أنا حاطها في مشدك وممدك وفيما تطلب من ربك, وحاطها في عيالك ومالك, وإن كان تكماها (تجحدها) تلقاها في الولد الفالح والبعير السارح.

<<أنا حاطها في سليلك وفي ما جاء من حيلك وفي بشرك وفي ما جاء من ذكرك, وفي حلابات الحليب وفي ناسفات السبيب وفي المرأة وما تجيب, وحاطها لك في الفرش وتصعد للعرش إن كميتها تضرك وإن طلعتها تسرك.

<<أنا حاطها في عيونك السود اللي صيوره يأكلهن الدود في ربعك العقود, وفي ما كسبته وخلفه الجدود>>.

ويطلق على الشاهد اسم <<مرضوي>> إذ يجب إرضاؤه إذا أدلي بشهادته, وكانوا يعطونه ألفية (ألف قرش) وقد يسامح من طلب شهادته ويعفيه من دفع الألفية. ولا يقبلون شهادة النساء ولا غير البالغين.

كما <<إن إياس بن معاوية لا يجيز شهادة الغلمان>>.


وهناك قانون عرفي يقول<< لا على دم شهود ولا على عيب ورود>> (أي أن القتل أو الضرب والجرح والكسر لا يحتاج لشاهد فهو واضح للعيان كما أن المرأة لا يعقل أن تدعى على رجل انتهك عرضا كذبا وبهتانا, إذ أنها بذلك تلحق بنفسها وعشيرتها عارا لا يمحى إلى الأبد, فالمرأة مصدقة إذا ادعت ذلك وفق شروط سنتعرض لها لاحقا واليمين لا يبرأ المتهم).

ومن أقوالهم كذلك : <<فيه كلام يحتاج لشهود وفيه كلام شهوده منه فيه>>.


* اليمين:

لليمين شأن كبير عند البدو, فهم يتحاشون الحلف سواء أكانوا صادقين أم كاذبين, ولا يلجؤون إليه إلا في الضرورات القصوى, وعندهم يقين راسخ أن من يحلف كاذبا لابد أن يصاب في نفسه أو عياله أو ماله عاجلا, وكثيرا ما يرى المدعي مشفقا من تحليف غريمه وغالبا ما يعفيه من ذلك إن كان الأمر ليس مهما, ويأخذ قضاة البدو بالحديث النبوي الشريف <<البينة على من أدعى واليمين على من أنكر>> فعلى المدين أن يحلف المدين إذا أنكر ما عليه أما الدائن فيقول إذا طلب منه القسم<<أنا أتوقي بمالي>> إلا أنه في بعض الأحيان نرى أن الدائن نفسه يقول لعملية<< يا تأخذ يا تعطي>> أي إما أن أحلف يمينا أو تشتري هذا اليمين بمبلغ كذا. وعليه أن يختار إحداهما وإذا لم يتيقنوا من صدق الحالف يطلب المدعي أن يحلف عنه رجل تقي من خمسته من يثق في دينهم وصدقهم وخوفهم من الله أو يحلف المدعي عليه ويزكي يمينه أحد أفراد خمسته من الذين لا يشك وقالو عن كثير الحلف <<عنده الدين زي ورق التين>>.

ويجب أن يكون القسم بالله صريحا وثلاث كلمات أولهن الله وآخرهن الله <<هذا لا يمنع أن يضع أحدهم يده على رأس الحالف ويقول <<صلاة محمد على راسك انك ما حسبت الغرض الفلاني>> أو يأخذه عند مقام رجل صالح أو يجعله يضع يده على المصحف أو على شيء من الزاد, أو يحلفه بأحد أبنائه.


* البشعة:

يلجأ البدو في حالات كثيرة إلى لحس النار (البشعة) يقادون إليها بحكم من القاضي في حالة عدم وجود أدلة وحين يشعر القاضي أن القسم لا يكفي, وهي تعالج قضايا العرض والقتل و الأرض والسرقة أو الإنكار, والبدو يعتقدون بعدالة البشعة اعتقادا راسخا ويركنون إلى حكمها ويطمئنون إليه, ويطلقون عليها اسم النور أيضا فيقول المدعي عند بحث القضية أمام القاضي: <<أقول إني الحق عليه النور>> ومن برأته النار أضحى بريئا لا غبار عليه بل على متهمه أن يرفع ثلاث رايات في ثلاثة بيوت مشهورة ويقول على رؤوس الإشهار: <<راية فلان بضا أو عرض فلان أبيض وأنا أخطأت في حقه>> وقالوا <<بعد النار ما فيه معيار>> وكثيرا ما يسمع رجل يقول: << أنا العري البري الحسن النار مني في (أي على حسابي) ليبرأ نفسه من تهمة ألصقت به أو ليحرر أرضا له غبيت حدودها, وأحيانا تطالب امرأة بلحس النار لنفي تهمة وجهت إليها.

يذهب الطرفان إلى مكان البشعة ومعهم سامعه يعد كشاهد ويخبر المبشع بما اتفق عليه الطرفان من نص للحس إما كتابة وإما مشافهة, وكذلك يعود لإخبار القاضي بالنتيجة بعد اللحس وتدفع للسامعة مصاريف نفقاته ويأخذ أجرا كذلك, وكل طرف يدفع نفقاته ثم يتكيس الخاسر النفقات كلها وأحيانا يدفع المتهم بالقتل نفقاته حتى لو ظهر بريئا  ولكن النص يقول :<<بإرادته على براته>> أي تعاد إليه البارات (نقود تركية) التي دفعها إذا ظهر بريئا هي أقرب للمنطق. ويحل الطرفان ضيوفا عند المبشع وتشرح له القضية يسمعها من الطرفين وحين يلم بتفاصيلها يحاول إقناع الطرفين ومصالحتهما ليعزفا عن اللحس ويحذر المتهم من اللحس, فإذا اعترف ركبه الحق ولم يلحس, أما إذا أصر على براءته يوافق المبشع على تلحيسه, وفي حالات القتل لا يضع المبشع الحماس نشوب مشاجرات وأعمال ثأرية. ثم يشعل النار ويضع عليها محماس القهوة حتى يتغير لونه من الأسود إلى الأحمر والأخضر, ويجرد ذراعه ثلاث مرات دون أن تؤثر النار في ذراعه ليثبت للجميع أن النار لا تحرق البريء, ثم يطلب من اللاحس أن يمد لسانه ليراه الحضور قبل اللحس ثم لحسه المحماس ثلاث مرات متتالية فيناوله المبشع كوب ماء ليتمخض ومن ثم يخرج لسانه ليراه المبشع ويصدر حكمه وكذا يراه السامعة فإذا حرقته النار تغير شكله عن السابق عد اللاحس مذنبا <<موغوفا>> وإذا لم تحرقه عدا بريئا, وإذا تبرأ أحدهم يطير أحد مرافقيه إلى أهله وعشيرته على الفور يسمى <<المبشر>> ليبشرهم ببراءة رجلهم, فتقام الأفراح وتنحر الذبائح, ويلاقى اللاحس باحتفال كبير هناك ثلاث بشع العيادي في سيناء والدبر في القويرة بجذوب الأردن وبشعة بلي في تبوك.

وقد يلحس المتهم نفسه أو ينيب عنه أحد أفراد خمسته. والنص الذي يتفق عليه الطرفان مهم في براءة اللاحس. وكثيرا ما بنبه المبشع إلى ذلك فمثلا ذهب متخاصمان من عند القضاة إلى بشعة العيادي حول موت امرأة, وكانت (سلمى) قد ضربت صاحبتها (نصرة) بعصا غليضة على رأسها بينما كانتا ترعيان الأغنام فأصيبت نصرة بالحصبة كذلك فماتت فقال أهلها أن سبب الموت كان ضربة العصا بينما قال أهل سلمى إن الحصبة هي التي تسبب في الوفاة, فاتفق الطرفان على أن يلحس والد سلمى النار على أن: <<نصرة ما ماتت من ضربة سلمى>> فلحس على هذا النص فحرقت النار لسانه.

وذهب سالم ربيع إلى البشعة ذاتها من عند أهل الديار على نص فحواه: <<خط حدود أرضك وبردها بالنار>> وكان جيرانه قد تجاوزا عليه الحدود فضموا أجزاء من أرضه إليهم وقال سالم عندما حددت حدود أراضي تركت مسافات واسعة من كل جانب خشية أن تخرقي النار ولم أحدد سوى ما كنت متيقنا تماما أنه من أرض أجدادي.

فلحس النار وخرج صادقا ولم تحرقه النار فاعتمدت الحدود التي خطها.

وغالبا ما يكتب المبشع نتيجة اللحس ويعطيها إلى السامعة وإذا تمت البراءة يرفعا اللاحس راية بيضاء ويعود بها إلى أهله ويقابل بالزغاريد والفرح من عشيرته وتبرئه النار تضفي على صاحبها الاحترام والتقدير والمهابة من الجميع.

والمبشع ليس رجلا عاديا بل هو من أصحاب الطريقة والولاية ويعتبره الناس من الأولياء الصالحين وهو ملتزم بالفرائض الدينية ومشهود له بالصدق والنزاهة ولاشك عندهم أن العناية الإلهية وراء عدم حرق لسان اللاحس البريء وقالوا << على قدر نياتكم ترزقون>> وهم يتخذون من إبراهيم الخليل عليه السلام قدوة حين كانت النار بردا وسلاما عليه بمشيئة الله. وهناك من يبرر عدم حرق النار للسان اللاحس بالبريء بعدم الخوف وبالتالي فإن ريقه يكون جاريا وقت اللحس مما يحول دون حرق النار للسان, ولكن المنطق يقتضي خوف اللاحس حتى لو كان بريئا حين يشاهد وهج المحماس الذي أوشك على الانصهار.

وكثيرا ما يشاهد رجل يغير على النار ويغرفها إلى صدره في ديوان قضاء إذا ما شعر بأنه ظلم ولحقه حيف وغالبا ما يسامح بل يطلب غريمه الصفح منه ويزوره بشاة في بيته, إذ يخشى أن يدعو عليه ويعدونه من أهل الله <<يطيح في النار وما تأكله>>.


.................................

الباب السادس: قضايا النساء

يعالج قضايا النساء قاض خاص يسمى عم البنات أو أباهن, وقد اشتهر في سيناء القاضي المسعودي وعند عرب العزازمة أبو الخيل وقد يتقاضى رجل وزوجته عند هذا القاضي, فتضع المرأة سوارها كرزقة وتدلي بحجتها وهي في المحرم أو تنيب أحدا عنها, فإذا اشتكت امرأة من قصور لدى زوجها إن كان في إطعامها أو كسائها أو خلاف ذلك فتذهب إلى القاضي المختص وتبثه شكواها فيلزم زوجها بإحضار<<برقع ورقاة وثوب وعباة>> كما يلزمه أن يبني لها بيتا مستقلا مجهزا برحى وصاج ودقيق وماء وأحيانا يضيف أحدهم حمارة سوداء لترى في الظلام أو ناقة وخمس دجاجات وديك.


ـ اشتكت إحدى النساء من قصور جنسي لدى زوجها وقالت في حجتها:

ايش قولك في رجل شرى له معاميل                 لع سبع سنين ما دق البن فيهن

يا يفعل بهن فعل الرجاجيل                           يا يرخصهن للي يشتريهن

فحكم القاضي بطلاقها.

وهذه القصة تذكرنا بقصة الدهناء بنت مسحل حين ذهبت تشكو زوجها العجاج إلى القاضي المغيرة بن شعبة حين قالت:

<<إني منه بجمع>> أي <<لم يفضي>>

 فقال العجاج:

الله يعلم يا مغيرة أنني                قد دستها دوس الحصان الهيكل

وأخذتها أخذ المقصب شاته           عجلان يشويها لقوم نزل


فأجابته:

والله لا أرضى بطول ضم

ولا بتقبيل ولا بشم

إلا بهزهاز يسلي همي

يسقط منه فتخي في كمي

لمثل هذا ولدتني أمي



وقد تزيح المرأة لثام الحياء وتصرح إذا ما شعرت بالحيف كما قالت إحداهن في حجتها: <<قولك في اللي باليل مركوبة وبالنهار متعوبة. هي تستاهل هذا الجور والحرمان؟>>.

وقد يسمع القاضي من المرأة حجتها وهي في بيته عند زوجته ثم يذهب إلى الديوان ويستحج عنها.

وقد تدخل الفتاة عند رجل معروف إذا ما أجبرها أهلها على الزواج من رجل لا تريده وتمكث عند مجيرها إلى أن يضمن لها عدم الإجبار والعزوف عن هذا الزواج ويأخذ المجير العهود والمواثيق على أهل الفتاة ويعينون له كفيلا لضمان الاتفاق وإذا ما أخلوا في ذلك يطلبهم للقضاء.

كما يحق للمرأة المتزوجة أن تستجير بأحد الوجهاء إذا ما شعرت بظلم من زوجها وتبقى عنده إلى أن تسوى المشكلة وتقرر الشروط المرضية للطرفين أو تطلق. أما إذا ضرب الرجل زوجته خارج البيت تعرك وتدرك في العرف البدوي كذلك إذا سبها أو شتمها يعزم ويجرم أو يثبت بالأدلة والبراهين أن ما قاله من تهم كانت صحيحة.

وإذا حردت المرأة وذهبت إلى أهلها بعد أن أساء إليها زوجها فعليه أن يلحق بها ليرضيها وبعض القضاة يحدد ذلك بثلاثة أيام, أي عليه أن يلحقها في غضون ثلاثة أيام ليعيدها أما إذا تأخر عن ذلك بدون سبب فعليه أن يدفع لذويها الحق, ومنهم من يرسل لها مرضيا وعلى هذا المرضي أن يخرج نقودا ويريها المرأة قائلا: هذا لك رضاوة إذا عدت (كي يغريها لتعود) ولا يكفي أن يعدها وعدا شفهيا.

ومن المتعارف عليه أن المرأة <<خيرها لزوجها وشرها لأهلها>> أي زوجها هو المستفيد من عملها وإنجابها أما إذا تعرضت لمشكلة ما فأهلها هم الذين يطالبون بحقها أو يدفعون عنها إذا غرمت.

أما من يتهم زوجته بالخيانة فعليه أن يثبت ذلك ليتولى أهلها عقابها أو يلحقون عليه حكم المنشد, وقد تلحس المرأة النار لتبرئة نفسها من تهمة ألصقت بها أو يلحس عنها ولي أمرها.

وحدث أن صنعت امرأة رغيفها غليظا من آخر عجينها ووضعته على الصاج, وكانت تنوي أن ترفع الصاج وتنضجه على الجمر وفي الملة, ولكن زوجها الذي يتصيد الخطأ منه خطف هذا الرغيف النيء وذهب إلى القاضي ناصر أبي الخيل فقال: أسألك بالله هل هذا الرغيف يؤكل؟

فما كان من المرأة التي عرفت مرامه إلا أن غرفت النار في الصاج ولحقت بزوجها عند القاضي وقالت: أسألك بالله ألا ننضج هذه النار هذا الرغيف؟ 

فقال القاضي: نعم تنضجه وأدين الزوج. وعلى كل حال هناك قول مأثور بشأن المرأة يقول: <<من حاسبها فارقها>> أي من حاسب المرأة محاسبة دقيقة يجدها جديرة بالطلاق إذن عليه التغاضي عن كثير من الهفوات وعليه المسامحة. و المرأة لا تقطع الطريق أمام الرجل بل عليها انتظار مروره وإن كان و المرأة جالسين على الرجل أن يقوم قبل المرأة وإن سارا عليها أن تتبعه لا أن تسبقه. وعلى كل حال لا يجوز أن تمر المرأة بجرة فارغة أمام قوم بل عليها انتظار مرورهم.

وبالنسبة للتحدث مع المرأة الغريبة نجد أن بعض القبائل متشددة في هذه الناحية إذا لا يحق للرجل مسألة الأنثى إلى سؤالا واحد كأن يقول لها بعد السلام أين الطريق؟ أو أين ديوان العشيرة؟ أو أريد ماء, أما إذا تحدث خلاف ذلك معها فإنه يحاسب على ذلك ويجر إلى القضاء. وكلما اقترب البدو من القرى والمدن قل تشددهم في هذا الأمر ليغدو في كثير من الأحيان أمرا عاديا بل أن هناك قبائل تبيح الشبان التحدث مع الفتيات في المراعي ويحق لهم التسامر ليلا والروح إلى بيوتهم ولكنهم  يسيرون متباعدين بحيث لا تختلط آثارهم, وعلى العموم تربى النساء في البادية على صيانة العرض وعدم التفريط به وتخشى المرأة على سمعة عشيرتها وتحرص كل الحرص على صيانة عرضها والحفاظ عليه من التدنيس كي لا يبقى عارا أبديا.


* الموصفة مطلقة:    

وعندهم أن <<الموصفة مطلقة>> أي أن الرجل إذا قال لامرأته أثناء ثورة الغضب اذهبي إلى أهلك وهم في المكان الفلاني, يعتبر قاضي النساء أن هذا طلاق وليس من الضروري أن يذكر الطلاق لفظا. أي من وصف للمرأة بيت أهلها وأمرها بالذهاب إليه أصبحت في حكم المطلقة.


* الأب أولى بأبنائه:  

إذا أطلق الرجل امرأته وكان لها أولاد يأخذهم أبوهم سواء أكانوا ذكورا أم إناثا, حتى لو كان أحدهم رضيعا, أما إذا كانت المطلقة حاملا ينتظر المطلق حتى تلد وتربعن ثم يأخذ طفله, ويعتني بأبناء المطلق أمة أو أخته التي هي عمة الأطفال <<العمة تلم وتأخذ من على بز الأم>> و <<العمة تخلي العظام ملتمة>>. والبدو بصفة عامة يحبذون أن يكون الابن مع أبيه, وأمه تشجعه على ذلك, وترى أن تبعية الابن لأبيه شيء طبيعي لأنهم يعتمدون بعصبيتهم حيث تخجل المرأة أن تعود إلى أهلها ومعها أولاد الرجل الذي طلقها والذين ربما لا يربطهم بأهلها رباط دم, لذا درج عندهم أن الأخ يأخذ زوجة أخيه أو قريبه بعد وفاته حفاظا على تماسك الأسرة وكي تبقي الأم راعية لأبنائها وفقا للقول القائل المرحوم وصى وقال خذي سلفك على العيال, وعلى كل حال يأخذ أهل الرجل المتوفي أبناءه سواء تزوج أحدهم أرملته أم لا.

وفي مصنف عبد الرزاق من عبد الله بن عمرو بن العاص أن امرأة طلقها زوجها وأراد أن ينتزع ولدها منها, فجاءت النبي (ص) فقالت : يا رسول الله إن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني. فقال رسول الله (ص) أنت أحق به مالم تتزوجي.

وعن أبي هريرة كانت أم وأب يختصمان في ابن لهما, فقالت للنبي (ص) أن زوجي يريد أن يذهب بابني, وقد أسقاني من بئر أبي عتبة. فقال النبي (ص) يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت, فأخذ بيد أمه فانطلقت به.

إذا اختلف الرجل مع زوجته وتبادلا الاتهامات هو يدعي أنه يلبي كل طلباتها من مأكل ومشرب وخلافه, ولم يقصر في شيء وهي تبعزق رزقه ولا تحافظ على بيتها ودائمة التجوال على بيوت الناس وهي تدعي أنه يحرمها ويضربها بسبب وبلا سبب ويتهمها بالسرقة. بحكم القاضي بشأن هذه القضية بأن يحاور هذا الرجل أمينا ليضطلع على أمر الرجل وزوجته عن كثب, وإذا شعر أحد الزوجين بقصور أو غبن يبلغ هذا الجار ليتحقق من الأمر بنفسه ويشهد بما صار وإذا أراد هذا الزوج الرحيل يعيل له جار جديد يقوم مقام الأول. وبهذا يكشف الصادق من الكاذب من الزوجين ويترتب على شهادة هذا الجار معرفة المقصر وبالتالي الحكم باستمرار الحياة الزوجية وردع المقصر أو انفصامها.

ـ زوج أحدهم أخا له أبله بامرأة, فحردت ذات مرة وذهبت إلى بيت أهلها, فلحق بها هناك وأخلى له والدها البيت, فحاول إرجاعها ولكنها أبت العودة منه, فضربها داخل البيت وحاولت أمها أن تمنع فضربها هي الأخرى, وصاحب البيت يراقب المشهد دون أن يتدخل كي يورط المعتدي ليغرمه ويجرمه حق حرمة البيت, وعلى الفور أرسل بدوة إلى أخي زوج ابنته, فاجتمع الطرفان عند القاضي وتلا كلاهما حجته, ومما قاله أخو الضارب: هذا أخوي هبيل ماله قبيل, أما نسيبه فكان حاضرا ولم يذد عن حرمة بيته ونسائه ولم يدافع دون بيته وهو يريد أن يوقعنا في مصيدة ليغرمنا. كان بإمكانه أن يحول دون ما حدث في حين طالب صاحب البيت بحق حركة البيت وحق ضرب ابنته و زوجته دون مبرر.



*اختلاف الزوجين:

من الحق الذي أصدره القاضي قوله: الديك هو ديك لما يشوف الديك الغريب يقرب إلى جاجاته يدافع دونها ويستمر في المقاومة والدم يسيل من عرفه, فكيف أنت ترى نساءك تضرب ولا تحرك ساكنا, أنا من عندي إنك ما تلحق على هذا الرجل حقا تستحقه.

كان لرجل زوجة دائمة الحرد والزعل لأتفه الأسباب وتذهب إلى أهلها ويلحق بها زوجها ليرضيها, وتذمر الزوج جدا من كثرة حردها, فذات مرة لحق بها وأدركها قبل أن تبلغ بيت أهلها, ليرضيها, وعاد بها وفي الطريق أخذ يضربها فتجري أمامه فأجبرها على حمل رمل في قناعها كي لا تقوى على السرعة, ورفع ذيل ثوبها وشرع في ضربها على مؤخرتها, وقبل أن يبلغ العرب التي يسكن فيها, ستر عورتها وكف عن ضربها وسكب التراب الذي كانت تحمله, ورافقته إلى البيت وبعد أيام انتهزت فرصة غيابه ولحقت بأهلها وطلب والدها زوجها للتقاضي, واعترف زوجها بما فعل ولم ينكر شيئا وعزا ذلك لأن زوجته أرهقته كثيرا ومن كثرة دلالها فزعلها.

وقال: إن الذي كشف عورتها زوجها الذي يرفع ثوبها ويطب فوقها ولا تعرك ولا تدرك كشفتها عليه وهو أولى من أبيها في النظر إليها أما إذا رآها أحد أو أخبر زوجها أحد فهذا شأن آخر. ولها على زوجها أن يرضيها وأن تسمع منه ولا تعمل على مجاكرته.

ورغم تشددها بشأن حقوق المرأة نجدهم ينزهون ألسنتهم عن ذكرها, وإذا ما ذكرت في سياق  الحديث على المتحدث أن يسبق ذكرها بقوله <<أعزك والله>> أو <<حاشاك>> وكأنه يلفظ لفظا بذيئا وهم يطلقون على المرأة أسماء منها : الأنثى, العورة, الحرمة, الولية ويكنون عنها<< بأم العيال>> و<<راعية البيت>> أو <<المعزبة>>.


* وفاة الرجل

ومن عاداتهم إذا توفي رجل تاركا زوجته وأولاده فإما أن يأخذ أهل المرأة امرأتهم ليزوجوها أو يدفع أهل المتوفي ناقة لأهل المرأة بدل مهرها إذا زوجت وتبقى على أولادها, وذات مرة رفض أهل المتوفي دفع الناقة لأهل المرأة بحجة أن المرأة أصبحت كبيرة لا تزوج, فاحتكموا لأحد القضاة, وشرع حججمها وقال: في الصباح نصدر الحكم ونبت في المسألة وفي الصباح تداول الطرفان الأمر فقال أهل المتوفي: يا قاضينا هذي المرأة عاقة (أي كبيرة معاقة ولا تزوج) وسمعتهم زوجة القاضي وهي تحلب غنمها فندت منها عبارة <<إن كانت عاقة حقها جمل وناقة>> فقال القاضي: الحكم قالته <<راعية البيت>> (جاء تقديرها إن كانت معاقة فهي تستأهل أن تساعد بجمل وناقة وليس بناقة مفردة كي تعان على حياتها) وحم لها القاضي بذلك.


* قص المرأة:

المرأة المشتركة في مشاجرة تقص إصاباتها كما تقص إصابات الرجل, أما المرأة التي لم تشترك في المشاجرة بل اعتدى عليها دون أن تعارك فتقص إصابتها وتثني أي تضاعف ثمن جروحها.


* دية المرأة:

دية المرأة إذا قتلها امرأة نصف دية الرجل وكذلك إذا قتلت وهي مشتركة في مشاجرة أما إذا قتلت وهي في بيتها أو دون أن تشارك في المنازعة فتريع ديتها لتبلغ دية رجلين.


* دية الحامل:

ودية المرأة الحامل بدية رجلين, أما إذا ضربت الحامل وطرحت الجنين فيدفع الضارب دية علاوة على قص الضرب.


* الاعتداء على العرض:

وهي المرأة التي يعتدى عليها ضحى وهي تصرخ وتستغيث ويسمع صراخها الجيران على أن يكون هذا الاعتداء جبريا: << ثوبها قدايد وخرزها بدايد>> وهذه الحالة حقها عظيم عند المنشد. كما يغرم الجاني بدل ذعر الصغار وبسب عظم هذا الحق لأن الجاني اقترف جرمه جهارا نهارا واستهان بكل الأعراف والتقاليد ولا يخفى ما فيه من احتقار لأهل المرأة واستصغار لشأنهم.

2ـ الاعتداء على المرأة ليلا:

أخف حكما من صايحة الضحى لأن الجاني أتى مسترا بالليل. وعلى المرأة في هذه الحالة أن تسغيث فورا وترح وتشعل النار لينتبه إليها القاضي والداني. وإلا سقط حقها ولا يحق لأهلها المطالبة بشيء ويقول قاضي المنشد: اللي ضوها بين ضوين وكلبها بين كلبين ما تقعد جارها وتولع نارها مالها حق تستحقه وعد هذا الأمر برضاها وموافقا لمشتهاها.


3ـ المحاولة:

مد أحدهم لسانه فأخبرت والدها, وأبدى على كبير الشاب, واجتمع الطرفان عند المنشد, فحكم بقطع لسان الشاب أو يشتريه أهله بالمال الذي يرضي والد الفتاة, والد الفتى يسوم وغريمه صامت إلى أن بلغ مائة وخمسين دينارا واكتفى بذلك.


4ـ المتحرية والمتطرية:

وهي المرأة التي تتكتم على انتهاك العرض ولا تبوح به إلا بعد أيام أو أسابيع أو أشهر, فلا حق لها إذا أنها تتذكر الحدث تذكرا وكان برضاها وموافقتها, وأخبرت عنه بعد وقت لهدف في نفسها.

 
5ـ انتهاك العرض بموافقة المرأة:

لا حق وجزاؤها القتل من ذويها ومن ثم يطالبون الجاني ويطردونه ويلزمونه بحق انتهاك حرمة البيت إن تم الفعل داخل البيت, أما إذا تم اقتراف الهتك في الخلاء فلا حق لها إلا بعد قتلها وإلا عد رجلها في حكم الخابر الصابر <<الديوث>> ويقول الجاني: <<جاتني بخطاها ورضاها>> إذا ما كانت المرأة قد خرجت من بيتها إلى بيت الرجل وفي هذه الحالة لا حق عليه.

وقال أحدهم: <<جاتني ما جيتها فاتحة داهيتها .. كها وإلا ما ..كها>> فقال القاضي... كها واكسر ديكها, ونادي من ..كها.


6ـ عاقبة السرح:

وهي المرأة التي تذهب إلى المرعى (المسرح) بعد عودة الرعاة وكأنها خرجت لتقابل صاحبا لها اتفقت معه على موعد فهذه لاحق لها ويستثنى من ذلك <<العاقبة الدوارة>> وهي التي رجعت إلى المرعى للبحث من شاة أو ولد أو عقد أو متاع قد فقد, وفي هذه الحالة لها حق المنشد ويماثل حكمها الاعتداء على العرض بالقوة.

7ـ المخطوفة:

سواء كانت بكرا أم ثيبا يتحمل الخاطف وخمسته وزر ذلك ولا تحل المشكل إلا بإعادة المخطوفة وقتلها إن كانت قد هربت برغبتها أو بخطف مضاد, وقد يحدث قتل ونهب وعقر وسلب ويورث الخصام سنين طويلة والخطف نادر الحدوث في سينار والنقب.

خطف امرأة متزوجة من سيناء, وقد قدم الخاطف من شرق الأردن وعاد بها إلى بلاده, فتتبع أهل المرأة جرة الخاطف بالعاقب ودلت آثاره على أنه خرج من بيت رجل من قبيلة أخرى على مسيرة ساعات من بيت عشيقته ولكنه لم يعرج عليه بعد الخطف. فأخذ أهل المرأة هذا الرجل رهينة ليحققوا معه حيث اتهموه بأن له ضلعا في مؤامرة الخطف, فحاول أحد جيرانه أن يعترض طريقهم ليخلص جاره ويقنعهم بأن هذا الرجل بريء ولا علم له بالخطف وقد نزل عنده الخاطف صيفا فقط ثم واصل سيره ولكنهم لم يتقنعوا واقتادوا هذا الجار أيضا بعد أن أوثقوه. وسجن الاثنان وهم مقيدان في أحد البيوت.

فاجتمع أهل الأسيرين وأهل المرأة عند قاضي المنشد.. وبينما هم يتداولون ويتجادلون, حضرت امرأة الأسير الأول تقود فرسا وضحاء, ووقف أمام الديوان وقالت: لماذا أخذتم رجلنا وحبستموه أنتم مثل اللي يشوف الذيب ويقص مع أثره أو مثل اللي ما قدر على العير ونط على البرذعة و ويوم أنكم قصرتم عن اللحاق بغريمكم اللي فر بحرمتكم وهي راضية ايش قولكم في هذي الفرس مبيضة العروض ما تسد عن المرأة (وربطت الفرس بوتد البيت) هذي طيبتكم واتركوا الرجلين ما أظن إلا أن هذه الأصلية تسد عن المرأة الداشرة <<فاستحى القوم وتركوا الرجلين وأرضوها وتفرق المجتمعون وعاد الأسير ممتطيا فرسه.


8ـ الغز:

إذا اكتشفت أهل فتاة أو ثيب بأنها حبلى أو لدت ولدا غير شرعي, ولم تشك من قبل فإما أن يقتلها أهلها ويلاحقوا الجاني, أو تخبرهم بمن اقترف معها الفعل المشين, ويقال (تغز عليه) ويتزوجها بسترة ومساترة ويكون مهرها وتولم بشاة. والقضاء يلزم الفاعل بتزوجها وإلا عد مطرودا لأنه غرر بالمرأة وكثيرا ما يتطور النزاع ويؤدي إلى قتل المرأة والفاعل. ويطلق على اعتراف الفتاة بمن فعل بها الغز.


9ـ الاشتباه:

يحدث أحيانا التباس بشأن أمر يتعلق بالعرض ويفسر بتفسيرات متناقضة وتتباين فيها وجهات النظر, فذات مرة على سبيل المثال قدم رجل إلى ابن عم له ضيفا ولم يجده في البيت وأناخ بعيره واستراح على مقربة من البيت وقدمت له ابنه عمه التي هي زوجة صاحب البيت العشاء في الظلام وعندما ناولته الإبريق طبقت أصابعه على يدها الممسكة بالإبريق فسلكت يدها وتركت له الإبريق وعادت إلى بيتها وبات ليلته تلك وقدمت إليه أم ابن عمه وتحدثت معه ونام في الصباح واصل طريقه, وحين عاد صاحب البيت أخبرته زوجته بما جرى من ابن عمه,واجتمع الأقارب وتحروا الحقيقة كلهم قدر أن ملامسه يد الرجل ليد المرأة كانت محض صدفة سببها الظلام الدامس وليس في نيته أدنى غش ما عدا زوج المرأة الذي أصر على أن هذا العمل قصد به الاعتداء على العرض رغم أن المرأة لم تر من الرجل ما يثير الريبة لا من قول أو فعل باستثناء مسكة اليد. ولم تفلح المساعي الحثيثة في إقناع الزوج وظل مهددا متوعدا ابن عمه. ولكن ابن عمه لم يستجر بأحد ولم يعترف بذنب اقترفه واكتفى بأنه أبدى استعداده للمثول أمام قاضي المنشد, وبالفعل ذهب إلى القاضي المسعودي ليستشيره في هذا الأمر. فطمأنه المسعود وهون عليه الأمر لأنه لم يعترف بجرم ولم يستجر بأحد لأن الاستجارة تعني الاعتراف بالذنب. وحين مثل الطرفان أمام المسعودي واستمع لحجة الدعي قال: أنا لم أشعر بأن هذه المسألة فيها اعتداء على العرض ولكني لا أستطيع أن أتهاون بشأن المرأة وحيث أن هناك التباسا ولو من طرف واحد أقول إن هذه حقها ثمانية جمال توزع كالتالي: اثنان مطويان تحت الفراش واثنان يفاتان للوجه والجاهة واثنان رزقة واثنان دفع ما فيمها شفع.

وقد يحلف المدعي عليه ويزكيه كبيره بهذا القسم:

<<أحلف بالله العظيم إني لا هفيت ولا لفيت ولا خشيت عليها بيت ولا لمست لها يمين ولا حبيت لها جبين>> أي (لم أدن منها ولم أدخل عليها بيتا أو أمسك لها يدا أو ألثم لها جبينا).


10ـ القذف في العرض:

إذا طعن رجل في شرف فتاة أو امرأة فعليه أن يدلي بالأدلة والبراهين المؤيدة لذلك, أما إذا كان طعنه زورا وبهتانا وثبت كذبه فإنه يحكم عليه << بقطع لسانه وحت أسنانه >> أو يفتديها بمال يحدد القاضي ويلزمه بأن يرفع رايات بيضاء في ثلاثة بيوت مشهور ويقول راية فلانة بيضاء.

ويقتضي العرف أن يكون دور المرأة هو الأهم في المحافظة على العرض وصيانة الشرف <<العرض ما بنحمي بالسيف>> وشبه الرجل بالكلب الذي يتبع مغريه بكسرة خبز أو عظم أو يتبع من يكسكس له بلاشيء فقيل << الرجل مثل الكلب يلحق اللي يكسكس له>> (أي يقول له كس كس وهي لفظة ينادي بها الكلب) وقالوا عن المرأة <<إن ضحكت وبين نابها الحقها ولا تهابها>> وقالوا عن الشريفة الحرة>> بنت الأجواد خرسا طرشا (أي لا تتحدث مع أحد ولا يجرها معسول القول كما أنها لا تستمع للإطراء والخديعة).

وفي الفقه: إن من رمى امرأة غيره بالزنا, إن السلطان يبعث إليها فإن أقرت حدت ويرى الرامي الذي رماها وإن أنكرت جلد الذي رماها الحد.


.................................

الباب السابع: الوجه

نأخذ كلمة الوجه هنا معنى مجازيا إذا تعني المسؤولية والدرك أو الحماية والرعاية, وهناك مرادفة أخرى لها وهي العرض, فكما أن المرء مسؤول عن حماية عرضه والذود عنه كذلك يجب عليه الالتزام بتنفيذ ما كلفه بحذافيره, والعرض من باب واحد سواء أكان النساء أم ما يقطعه الإنسان على نفسه من وعد فهو ملزم بأدائه ولا يمكنه التنصل من تبعاته.

رمي الوجه:

إذا نشب نزاع طرفي قد يأتي أحد الوجهاء ويقول على مرأي ومسمع من المتنازعين وجهي على هذه القضية, فالمفروض هنا أن يخلد الطرفان للسكينة ويعمدا إلى حل هذه المشكلة بالوسائل القضائية أو بالمصالحة والتفاهم المباشر.

وحين يحتدم العراك بين طرفين, ويسقط من جراء ذلك القتلى والجرحى, ربما يقف رجل محايد ويقول: (عليكم وجه فلان). لفض الاشتباك, ثم يولي القائل الأدبار كي لا يرغمه أحد على رفع الوجه الذي وضعه, وإذا أفلح في الإبلاغ والانصراف يكون الوجه ساريا وملزما للطرفين وهو بالطبع يكون وجه زعيم أو رجل ذي شأن, ومن خرق الوجه واعتدى بعد رميه يعد عمله تقطع وجه, ويحق لمن رمي وجهة أن يقاضي المستهين به. كما يحدث أن يقول كبير المضروب مثلا وجهي على كل الضروب التي تعرض لها هذا الرجل ونحن قد فتنا حقنا وسامحنا الفاعل وتعتبر القضية وفي حكم المنتهية أو (إهدام وإردام) أو(حفا ودفان) كما قد يقول أحد الطرفين ممن ترتب عليه حق لغريمه هذه الطلبة عليها وجه فلان وأني سأسد ديني في الموعد  المضروب, وصاحب الوجه عليه ضمان تنفيذ الوعد الذي قطعه القائل على نفسه وبانتخابه للكفيل. ويعد الكفل بأنواعه وجوها وأعراضا, وتعيين الكفيل يعني رمي الوجه يدخل في جميع المنازعات من العطوة إلى الأمور البسيطة وقد مر بنا الحديث عن الكفل والكفلاء, ولا بأس هنا من ذكر بعض الملاحظات المتعلقة بالكفل, فإذا كان الكفل من أجل مال فينبغي أن يكون الكفيل حاضرا ليوافق على الكفل, ويسأل: أتكفل هذا الرجل بالمبلغ المذكور؟ أما إذا كانت القضية متعلقة بضرب وشجار فبقدور أحد الطرفين المتنازعين أو طرف ثالث أن يقول على هذه القضية وجه فلان حتى لو لم يكن حاضرا ويعتبر هذا الوجه ساري المفعول, وكفيل الوفا له أن يأخذ نسبة من المبلغ الذي كلفه ولا تتعدى هذه النسبة العشر, وقد يطلب كفيل الدفا بعض المصاريف لتنفيذ أسباب الأمن. وعلى العميل أن يطالب عملية قبل أن يعود إلى الكفيل, وإذا رفض العميل أداء ما عليه يلجأ صاحب الحق إلى الكفيل لإيفاء ما في عرضه ويحق للكفيل أن يطلب مهلة أقصاها أربعون يوما (وعدة الكفيل أربعون يوما) ليحصل الحق من المكفول, أما إذا دفع الكفيل من كيسه فقرشه بقرشين وسوقه بسوقين (إذا دفع قرشا يعاد له قرشين, وإذا أعطى بعيرا يرد له بعيرين) ويربط الكفل في بيت مشهور«قدام سمع وجمع في بيت مشرع وهرج مقرع» (هرج مقرع: كلام منضبط) وإذا احتج أحد الطرفين على كفيل عميله يقال له: هذا الكفيل يسد فيما كفله وإن قصر عليها وجه فلان (حتى لو كان غائبا). وهذا الأخير بمثابة كفيل كفلاء, يفي أن قصر الكفيل وإذا دفع من كيسه يعادله من المكفول مربعا «الكفيل حقه مضاعف» مثنى «وكفي الكفل حقه مربع»

تقطيع الوجه:

أما إذا قصر الكفيل في تحصيل حق كفيله, ولم ينفذ للرجل الذي تعهد له بذلك, وكذلك إذا قتل رجل أو ضرب أو لحقته إهانة من غريمة بعد وضع كفيل الدفا فيحق للذي قصر في حقه وللذي ضرب وهو في عرض كفيل الدفا أن يسود وجه الكفيل, وللسواد طريقتان إما أن يكون السواد لفظا بأن يقول راية فلان سوداء لأنه قصر في إيفاء ما تعهد به أو يرافق هذا اللفظ الإمساك بعمود بيت الشعر أو بشقة منه ويقول راية فلان سوداء وقالوا في ذلك «البيت المهزوز والرجم المغزوز» وتعد الإساءة بعد رمي الوجه وكذلك عدم تنفيذ ما تفق عليه وتقطيع وجه وهي من الكبائر في العرف البدوي. ومعنى تقطيع الوجه تسويد السمعة, ولكن إذا ثبت أن هذه التسويد باطل وفيه تجن سافر على صاحب الوجه يغرم المسود من عند المناشد, فإذا كان السواد مجرد قول باللسان فحقه لا يتعدى إن كان كاذبا أو متجنيا أن يقول في ثلاث بيوت : «راية فلان بيضا وإن أخطأت فيما قتل» إما إذا أمسك بشاربه البيت أو عموده وقال راية فلان سوداء أو صنع رجما أسود دون أن يكون له حق في ذلك بل كان عمله افتراء فيلحقه حق كبير من عند المناشد «مبيضة الوجوه» وأخطر التسويد» «البين المهزوز والرجم المغزوز» وقد يترتب على المسود دفع أربعين ناقة وضحا ما فيها لا شابية ولا عايبة, ويكسي بيتا بالقماش الأبيض حتى أوتاده التي يقف على كل منها عبد وجارية ويقول هذا ثلاث عبارات في ثلاثة بيوت «بيض الله وجه فلان ورايته بيضا وأنا أخطأت فيما قلت» وكل كلمة تنقص يدفع بدلا عنها رباعا من الإبل. إلا أن هذه الشروط غالبا ما تتلاشى وتفات ولا يبقى منها سوى القول في البيوت والاعتذار عما بدر من القائل في حق صاحب الوجه ويرفع راية «من الخام ذراع ومن العود باع» ويقول «بيض الله وجه فلان الذي قدر وأعفى » ضحى ويكذب نفسه والخلاصة لا يجوز الاعتداء بعد وضع كفيل الدفا فديته مربعة ويضيع حقه السابق ويدفع ثمن تقطيع الوجه. لذا نجدهم يجلون الوجه ويحافظون عليه لأنه هو الضمانة الأكيدة والكفالة الوحيدة لاستتاب الأمن ولإيفاء الناس حقوقهم.

الجيرة:

أجار تعني حمى وحفظ. ورد في القرآن ا لكريم «وهو يجير ولا يجار عليه» والجيرة هنا لها وجهان. أحدهما أن ترد على الأفواه كأن يقول أحد الناس لآخر, انتظر عندنا الطعام فعندما يرفض المخاطب يقول له رب البيت عليك جيرة أو يقول: جيرة الله, فأما أن يقعد أو يعتذر ويستأنف مسيره وهذه الجيرة غير ملزمة وتعتبر من باب اللغو. أما الجيرة الأخرى والتي نحن بصددها فهي جيرة الناس وقالوا عنها الجيرة «الجيرة لزم والطلاق عدم». وقالوا: «من استثار استجار».

فعندما يقترف أحد الناس جرما إما قتلا أو ضربا أو نهبا, فحين يرفض غريمه (المتأذي) أن يأخذ حقه بيده ويرفض أن يقابل غريمه في بيت قضاء, هنا يلجأ المطرود أو مرساله على الاستجارة برجل ذي شأن ويقول: على هذه القضية «جيرة فلان» وعلى المجير أن يعمل على إقناع المتضرر كي يرضى بما يطلع له من حق من عند القضاة الخاصين.

فالجيرة تحجب الشر كما أنها تثبت الحق فالمستجير معترف بذنبه وموافق على دفع ما يترتب عليه.

أما إذا كان الشيء المتنازع عليه مالا أو عقارا... الخ فيوضع هذا المال تحت كنف مجير باقتراح من أحد الطرفين أو من طرف ثالث ليسلم في النهاية لكل واحد حصته التي يبردها له القضاء.

وبعد الجيرة لا يجوز الاعتداء فإذا اعتدى ذوو المقتول على القاتل وأخذوا بثأرهم فإنهم يخسرون رجلهم الذي قتل سابقا ويدفعون دية الرجل مضاعفة ويخسرون كذلك ثمن الجيرة من عند المناشد.

حرمة البيت:

تحدد مسافة حرمة البيت بدائرة نصف قطرها أربعون خطوة تكال من طرف البيت, وقد كفل القانون العرفي الحماية للبيت ولمن فيه من بشر ومتاع, إذا لا يحق للرجل أن يلحق غريمه داخل حرمة بيت آخر ويضربه, كما لا يحق للرجل أن يضرب أحد أبنائه أو زوجته داخل بيت أحد وإلا كلفه ذلك دفع ثمن انتهاك حرمة البيت.

ودخول البيت إن كان من أجل ارتكاب فاحشة مع امرأة يغرم الداخل لتدنيسه حرمة البيت حتى لو كانا لدخول بموافقة المرأة. فيطالب صاحب البيت إن كان لزوج أو غيره بحق البيت, بينما يقوم أهل الأنثى بتحمل مسؤولية عيبها.

وإذا تعارك رجلان أو تسابا داخل بيت رجل حق له أن يغرمهما, لذا كثيرا ما نجد أحد الناس يحجم الرد على إهانة وجهت إليه, بل يطالب البيت بإعطائه حقه وهو بدوره يجبر المخطئ على دفع الحق, فصاحب البيت مطالب بإرضاء من أهين في بيته وبمقدوره مطالبة المعتدي وإجباره على دفع حق إهانة الرجل وحق انتهاك حرمة البيت.

وصاحب الديوان يعتبر صاحب بيت يتحمل مسؤولية الخطأ في بيته إلا أنهم يتغاضون عن الكلام الجارح في الديوان خصوصا إن كان الكلام ناتجا عن تداول في أمر قضية ويعتبر ملكا عاما لا يخص أحدا بمفرده لهذا نجد أن العشيرة أو المجموعة من الناس ملزمة بدفع حق لأحد الناس إذا أهين في ديوانها.

وتتباين أحكام القضاة بشأن حرمة البيت حسب خطورة القضية وجسامة الأضرار الناجمة عن الاعتداء, والمنشد هو المخول في إصدار حكم ضد من اعتدى على رجل بالضرب في بيته, وقد يصل ثمن الخطوة التي خطاها وهو قاصد البيت بشاة أو بعير زد على ذلك دخول البيت والخروج منه, وعلى كل حال يطالب المعتدي المنتهك لحرمة البيت بكسوته بالقماش الأبيض, ويضاف إلى ذلك حقوق عديدة تترتب على الجاني منها ما سببه من ترويع للأطفال وإزعاج للجيران, لذا لا نستغرب إذا ما رأينا أحدهم يحجم عن اللحاق بضاربه أو قاتل أخيه حين يدخل أحد البيوت لعظم حق ذلك حيث يفوت في أحيان كثيرة دية الرجل المقتول, وتجب مراعاة حرمة البيت حتى لو كان صاحبه غائبا.

السلام وأدب الجلوس:

إذا مر رجل بقوم عليه أن يطرح عليهم السلام إما باللفظ الصريح أو يقول <الله يصحبكم بالخير» إن كان الوقت صباحا أما بعد الظهر فيقول «الله يمسيكم بالخير» وأحيانا يقول أحدهم «قوكم» للجمع و«قوك» الواحد.

أما إذا لم يطرح السلام فأنه ينوي الشر, ولا ينبغي لرجل إذا أراد المشاجرة أن يلقي السلام, وعلى من طرح السلام أن يرد التحية, إما إذا كان ينوي شرا فلا يرد بل يقوم بعضهم رادا على المسلم: «الله لا يسلم فيك مغز إبرة» ولا يلتزم السائر بطرح السلام على قوم مضطجعين وإذا كان أحدهم هرما لا يطيق الوقوف يحق له أن يسلم قاعدا ويقول لقومه «القومة لك» أي أنت تستحق أن يقام للك ولكني معذور.

ويروى أن رجلا احتال على غول ودنا منه وطرح عليه السلام فأصبح في مأمن من شره فأجاب الغول: «لولا سلامك سبق كلامك لأخلي الوادي يسمع طقطيق عظامك».

ويروى أن صاحب مقثاة بطيخ أمر ناطوره بعدم الرد على المسلمين قائلا: سلام يجر كلام وكلام يجر بطيخ» وعن الرجل الشرير يقال:« تغلط معه برد السلام » وإذ جلس إنسان في مكان عليه أن يستقر في مكانه لا أن يغير مقعده «المقاعد ملازم».

وإذا جلس المسلم على الحضور أن يحيوه بقولهم «اله يصبحك بالخير» أو «الله يمسيك بالخير» حسب الوقت ويرد هو على كل واحد منهم. ولا ينبغي له أن يجلس قدام أحد أو خلف أحد أما إذا كان المكان ضيقا أو اضطر للجلوس أمام أحدهم عليه أن يعتذر «لا تواخذوني أنا قعدت أمامك أو في وجهك» فيرد عليه:  «كلك وجه» وقالوا في تبرير التراص في المجلس« الرجال دراهم» (أي هم كالنقود في تراصها) ولا بأس أن يطرف الرجل جانبا ويتكئ على مرفقة على شرط أن لا يمد رجليه أو مؤخرته في وجه أحد ويبررون الارتكاز بقولهم «البدوي شرى الركزة بقعود» والاضطجاع أهون من خطأ اللسان «اقعد واحكي عدل» وإذا اختلى اثنان ليتحدثا لا يجب على أحد أن يلحق بهما أو يشترك معهما في حديث أو ينصت لما يقولان «الهرج بين اثنين وإيش دخلك بالثالث».

وعلى الرجل إذا صافح المرأة أن يضع حائلا بين يده ويدها كأن يلف يده بطرف عباءته, أو تلف هي يدها بطرف قناعتها, ولكن بالنسبة للنساء من الأفضل أن يكون«السلام بالعين» وقال أحدهم لفتاة: سلم برمشك وخلي يدك بحناها ياللي سلامك يرد الروح مجراها» (سلمي بإيمائه من رمشك ودعي يدك محناة يا من يرد سلامها روح الميت إلى جسده) و المرأة تقبل يد الرجل بل لا ضير أن تقبل العجوز وجنة أحد أقاربها, أما الرجل فلا يحق له التقبيل وإذا كان لابد من ذلك فيقبل رأس أمه أو خالته أو عمته.

وهم يتشاءمون من النداء على المسافر, وعلى من أراده في شيء أن يلحق به وحين يصبح بمحاذاته يقول «الرشد فالك» فيجاب: «فالنا ولا فالك». ثم يفضي له بما يريد. أو يأتي بحركة أو يحدث صوتا وراء المسافر إن كان قد ابتعد ليلفت انتباهه ويقف ثم يلحقه قائلا: الله يسهل عليك ويحدثه بما يريد. أما الرجوع فهو مكروه عندهم «المعاودة ردية».


.................................

الباب الثامن: حقوق الضيف وواجباته

 إكرام الضيف والاحتفاء به وحمايته من أهم شيم العرب,وسجيه الكرم تميز بها العرب عن غيرهم من الأمم, وأقر لهم الجميع بذلك, والعربي يخدم الضيف وكأنه عبد له, فقال الشاعر:

وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا

وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا


وقال عروة بن الورد وتنسب إلى عتبة بن بجير وقيل أنه المسكين الدرامي:

فراشي فراش الضيف والبيت بيته                      ولم يلهني عنه غزال مقنع

أحدثه إن الحديث من القرى                            وتعلم نفسي أنه سوف يهجع


وكان كرماء العرب يسكنون على الحجات الواضحة المطروقة تسهيلا على الأضياف, ويشعلون النيران ليلا, ويحرضون كلابهم على النباح كي يهتدي الأضياف وهم يستقبلون الضيف بالبشاشة والترحاب لا يسألونه عن اسمه أو غرضه إلا بعد قراره وراحته فقال منصور النمري:

وداع دعا بعد الهدو كأنما                            يقاتل أهوال السرى وتقاتله

دعا يائسا شبه الجنون وما به                       جنون ولكن كيد أمر يحاوله

فلما سمعت الصوت أقبلت نحوه                      بصوت كريم الجد حلو شمائله

فأبرزت ناري ثم أثقبت ضوءها                      وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله

فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا                         رشدت ولم أقعد إليه أسائله


وقد عزز الدين الإسلامي الحنيف سجية إكرام الضيف وحمايته, فورد في الحديث الشريف, «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».

وقال أعرابي في بعض المواسم : «اللهم إن لك علي حقوقا فتصدق بها علي, وللناس قبلي تبعات فتحملها عني, وإنك أوجبت لكل ضيف قرى, وأنا ضيفك فأجعل قراي في هذه الليلة الجنة».

وقد توارث العرب سجية إكرام الضيف من جيل إلى جيل وسنوا لها القوانين فأصبح للضيف حقوق يجب أن نقدم له, كما أن عليه واجبات يجب أن يلتزم بها.

وعند أهالي سيناء والنقب عادة بناء شعر في الشتاء أو خص صيفا, أو رفة بيت الشيخ أو الوجبة وفي القرى تبنى غرفة منعزلة ويطلقون عليها أسماء عديدة منها الديوان والشق والمعقد, والمضافة ...... وتوضع على الديوان علامة ليهتدي إليه كأن يضعوا عليه راية صغيرة بيضاء والديوان إن كان معزولا عن البيت أي ليس رفه (قسما) منه يبنى وحيدا عن بيوت السكان ليأخذ الضيف حريته التامة, وعلى الضيف أن يأتي من خلف البيوت إلى الديوان ويسأل عنه إذا لم يكن واضحا, ويمكث في هذا الديوان ويقدم له الطعام والشراب, وينام فيه ويرتاح.

والبدو يعتبرون أنفسهم بخير ما داموا قادرين على إكرام الضيف فقال أحدهم: « كل هذا وذاك وضيفنا ما شكا القوى, ولا بيت إلا حامد الرب شاكره وأهل يحذرون من المبالغة في الترحيب بالضيف فقالوا: «كثرة الترحيب تجيب الضيف الهامل».

وفي المثل الشعبي قيل «لا قيني ولا تغديني».


أوقات الضيافة:

يظل متأهبا لقدوم الأضياف, وعلى كل حال فالبدوي يقظ دوما, يستيقظ وهو غارق في نومه إذا ما انبعث نباح أو صوت أو إنسان أو حيوان بجانبه ولا يستغرب أن يستيقظ من وقع أقدام بعير أو رجل يسير على مسافة ليست قريبة منه, ويخجل إذا ما وجد نائما, غير أن أفضل وقت لقدوم الأضياف هو الصباح كي يتمكن المضيف من تدبير أمره, ولديه متسع من الوقت وزهرة النهار وقالوا : «النهار له عيون» أما إذا طرق المضيف شيئا ليقري ضيفه, إذ قد يضطر لإيقاذ أهله لتبدأ المرأة في طحن الحب ونخله وعجنه وخبزه وقالوا من الأمثال: «صابح القوم ولا تماسيهم» و«وضيف الهشلة قشلة» (ضيف الليل لا يحرز شيئا) وقال أهل القرى: «ضيف المسا ماله عشا».


أخذ قرى الضيف:

وفي العادة أن يكون قرى الضيف بالدور إن قدم على مجموعة من الناس سواء كان القرى عاديا أم لحما, إذا قدم ضيف غريب قاطنين يأخذ قراه صاحب الدور إلا أن هناك استثناءات نوردها مرتبة:

1ـ الحسنى:

معناها أن يحسن إنسان لآخر بأن يقدم له معروفا وكأن ينقذه من موت أو يحميه أو يستر عورته أويرد إبله المنهوبة, قال الشاعر الشعبي:

أسعلك بالله يا دلال                                     عسى ما الباقر حسناك

عمره مارد الوسيقة                                    ولا من ضيقة نجاك

والحسنى تبقى متوارثة من جيل إلى جيل ولا تحمي أبد الدهر, والبدو يجلون من أسدى هم معروفا ولا ينسونه وقالوا في ذلك: «راعي الأولة ما يلحق» فإن كان الضيف القادم له «حسنى» عند أحد المقيمن (المحلية أو المغاريب) فهذا أحق بقراه وإكرامه من الآخرين كي يرد إليه بعض جميله.

وإذا عارضه أحدهم وذهبا إلى القضاء يقول صاحب الحسنى للقاضي: «هذا ضيف بيني وبينه حسنى, الحسنى اللي تلزم الملازيم وترد الملازيم», فلا شك بأنه سيربح القضية, ويستأثر حسب العرف والعادة بقرى هذا الضيف وهو أولاهم بقراه أولا.

2ـ الدين:

إذا قدم ضيف على قوم, وكان قد أقرى أحد الحضور سابقا فالمدين يحق له أن يسد دينه فهو أحق بقرى الضيف عمن سواه فهو يود أن ينتهز هذه الفرصة النادرة ويتخلص من الدين الذي عليه, لأن «أكل الرجال على الرجال قرضة ودين وعلى الأنذال صدقة» فهو يتبدى بقرى الضيف حتى لو يكن صاحب دور.

3ـ السابقات الرابحات:

 يأخذ قرى الضيف أول من رآه أو أول من طلب أخذ القرى فهو السابق في الطلب وله الأولوية إلا إذا كان قد أقرى حديثا فالقانون هنا: «السابقات الرابحات إلا سابقة مدرومة» فالمدروم من أقوى قريبا وهناك من هو أحق منه في القرى. ويقال له: «أنت ما زلت باطيتك خضرا» ويضيف المعارض «أنا عفي وحقيقي قرى», وقد يقول أحد الحضور: «معكم الوداعة قرى هذا الضيف عندي» فيرد عليهم أحدهم «مسبوق ومفلح» أي قد سبقت ولا ضير عليك فأنت على طريق الفلاح. ويقال لمن أقرى حديثا: «والله ما أخليك تحط على الدم وأنا عفي وحقيقي قري, ومراحي مليان كباش وخرقان».

ومن حجة السابق عند القاضي: «إيش يا قاضي الرحمن في الضيوف اللي تكلمت عليهم سابق ماني مسبوق, ومن حد ما سلمت تكلمت, والله إن شاء الله ما يسبقني عليهم سابق, ولا يغلبني عليهم غالب, والله يحييهم وعلى الخير يهييهم, ويحي لحاهم من ممشاهم لملفاهم ويحيي لحية قاضي يعطيني إياهم».

وقد يقول آخر: « والله إني عفي وحقيقي قري والله صدرها مخلي من حد ما سلمت تكلمت: «ويقول من شارك الضيوف في غذائهم أو عشائهم ليأخذ الدور التالي: «والله من وقت ما شالوا الطعام تكلمت بالكلام» إذ من عادتهم أن يتجادلوا على القرى التالي بعد الانتهاء من الطعام. فالسابق بالحديث أحق من غيره لمبادرته أولا.

4ـ إذا كان الضيف ضيف لحم وسبق في طلبه رجل قد أقرى طعاما عاديا يجوز لهذا المقرى أن يطالب بقرى الضيف, ولكن صاحب الدور في القرى العادي قد يقول في حجته: «أنا مساك رسن» أي أن الدور له ولا يفرط به ولا ينبغي لأحد تجاوزه أو التبدي عليه.

5ـ ضيف اللحم تذبح له شاه أو أكثر حتى لو لم يأكل منها شيئا أو كان نباتيا, وإذا حضر ضيف آخر شارك الأول في طعامه ولكن تذبح له شاه أخرى لاحقا. ومن عاداته أن يحنوا ركوبة الضيف الذي ذبحوا له بالدم, البعير يحني وركه الأمين والفرس تحني قطاتها, وهذه إشارة إلى علو مقام الضيف ودليل على احترام الناس له. فإذا ما حل بقوم آخرين يستدلون على علو شأنه من الدم, ومن ذبحت له شاه يجب عليه أن يعرف اسم من ذبح له ليسده في مستقبل الأيام.

6ـ في العادة عند بعض القبائل أن لا يقري الضيف لحما عند عرب واحدة أكثر من مرتين متتاليتين فعليه أن يحلف ويقدر الأعذار ويقول: «ما قصرتهم في واجبنا والله يكبر واجبكم والسابقة من الخيل وأنتم كفيتم ووفيتم والله يخلف عليكم والضيف ما هو ذيب ما يأكل إلا اللحم».

7ـ إذا غاب صاحب الدور ونزل ضيوف فعلى أحد الحضور أن يبلغ أهل صاحب الدور كي يعدوا قرى الضيف وإلا لحق عليهم الغائب حقا, ولا يجوز التعدي عليه وأخذ دوره وإن كان غائبا.


8ـ لا ينقل الضيف من مكان إلى آخر, فمن نزل عندهم هم أحق بقراه من البعيدين. وقد يؤتي له بالطعام من مسافات بعيدة. وحدث ذات مرة أن بات ضيف بلا عشاء لأن مقرية قد تاه عن الديوان لبعد بيته, وظل يسير طيلة ليلة والباطية على رأسه حتى الصباح, حيث دلوه على الديوان.

9ـ الطلاق على آخذ القرى:

 من حلف بالطلاق أولا يأخذ قرى الضيف الغريب رغم أن الطلاق مرفوض في العرف والعادة, وقالوا: «الطلاق عدم والجيزة لزم»و «الرجال ما عليهم طلاق واللي تجيب الضيوف الحجة».

10ـ ابن الأخت يتبدى بخاله كي تتاح الفرصة لأخت الضيف أن تقريه, أو لأن «الخال والد» فيقول ابن الأخت في حجته: «والله ومن ذرعانيه اللي فوقهن راسيه إني ما أخلي الرجال تقري خاليه «فيحق له أخذ قرى خاله حتى لو كانت باطيته خضراء, إلا أن بعض القضاة يقولون: تأخذ قرى خالك بعدما يؤدي له الواجب من قبل المحلية حسب الدور وأنت ملحق على أخذه».

11ـ الضيف النسيب:

«قالوا النسيب أبو همزة, أي يجوز لك أن تهزمه ليتبعك إلى البيت دون أن يعلم أحد هذا إذا كان من «حايمة الديرة» أم إذا كان قد أتى من بلاد بعيدة فيقول القضاء يحق للمرء أخذ نسيبه من الديوان بعد أن يأخذ واجبه ممن عليه الدور.



12ـ ضيف الديرة أي القادم من قريب لم له الدور وفي عرفهم «للعفي عن المدروم» ويقول أهل القرى: «ضيف الحارة خسارة» لأنه لا يلحقهم من إكرامه حمد ولا مدح ولا يذاع لهم صيت خلافا للضيف الغريب الذي ينشر الخبر.

13ـ إذا نزل رجل وأهله ضيوفا على قوم فيقري الرجل في الديوان وينقل الطعام إلى أهله إذا ابتنوا بيتا أما إذا كانوا مسافرين فيقدم لهم الطعام عند أهل صاحب الديوان أو كبير العشيرة.

14ـ المرأة إن كانت ضيقة بمفردها يكون قراها أولا على البيت الذي تدخله.

15ـ الشاب اليافع يتبدى عن الشيخ المسن تشجيعا له, فإذا تنازع شيخ مسن مع شاب يافع واحتكما للقضاء يعطي الشاب القرى. ولو أنهم قالوا: «الكرم مثل السيف الطايب ما هو مقصور على شب أو شايب» وإذا عرف الرجل الذي سيقري الضيف يقول له هذا الضيف. «نحن علينا الخلف وأنت عليك التلف» «أي نحن نقول الله يخلف عليك وأنت الذي ستتلف مالك من أجلنا».

16ـ لا يجوز أن يقدم للضيف لحم طير كالدجاج مثلا فهذا عيب ولا مانع من تقديم البيض وقالوا استصغارا لشان الطير « ايش الصوص وايش مرقته» وكذلك لا تقدم الفوارغ (المصارين ـ الكوارع ـ الكرش ـ الرأس) وقيل : «بين عذرك ولا تبين بخلك».

17ـ إذا أتى ضيف بعد ميعاد الغداء أو العشاء على صاحب البيت أن يسأله: «كيف أنت والغداء؟» كيف أنت والعشاء؟ فإذا أراد الطعام ولم يدرك وجبته بعد عليه أن يقول: «أنا وإياه بالسوا »أي لم يلتقيا بعد فيحضر له المضيف الطعام, أما إذا كان قد تناول فيه الطعام وعلى صاحب المحل أن يتأكد من ذلك ويقول: «لا تغر بنفسك» ولو أنهم غالبا ما يقدمون الطعام للضيف إذا وصل في مظان الطعام وقالوا: «من شاور عاب». وقالوا: «الضيف المتعشي ثقله على الأرض» أي لا يحتاج إلى شيء.

18ـ ورغم أن البدو يعانون كثيرا ليستأثروا بقرى الضيف, لكن هذا لا يمنع من أننا نجد الضيف يطالب مضيفه كي يمثل أمام القاضي لقصور قد رآه أو احتجاج على تصرف قام به, وللضيف أن يحتج على من يسأله عن اسمه أو مقدمه أو وجهته قبل أن يقدم له حقوق الضيف فيقول: «أعطني لوازم الضيف وبعدها اسأل « ومن أقوالهم : ذقن ما تذوق تنغصب » و«ذقن ما تكرم تغصب» و«العذر ما يقرى الضيوف».

ومدة مكوث الضيف في العادة ثلاثة أيام وثلث إلا إذا كانت هناك علة أو سبب وهناك حكاية تقول إن ضيفا أطال المكوث عند رجل بحجة أن السماء ماطرة, فوقف صاحب البيت ذات مرة وعلى مسمع من الضيف قال: «دفت وعفت ولا على الضيف عاقة», فأجابه الضيف: «دفت وعفت بس زلق على الناقة» (أي أنه ما زال يخشى الزلق والوحل على ناقته لذا فهو مضطر على الإقامة كي تجفغ الأرض).

أما إذا أراد الضيف أن يمكث ليلة واحدة فعلى صاحب البيت أن يكرمه لأن إكرام ليلة لا يكلف شيئا باهظا, وقالوا: «عشوة ليلة ما قتلت عيلة» (قرى ليلة لا يميت عائلة) وقيل «ضيف ليلة ولا توريه فقرك».

وعلى الضيف أن يعذر صاحب البيت, فيرضى بما يقدم له, لأن الناس من عسر ويسر, وقالوا: « لابد يا ضيف ما كنت محلي» (لابد أنك كنت صاحب بيت وحل عندك ضيوف) وحدث أن نزل ضيوف عند رجل في البادية فأحضر لهم خبزا في طرف عباءته وملحا ووضعه أمامهم قائلا: «مغمس لكم بطيبة النفس» ولكنهم اعترضوا عليه, وقالوا : «نحن ضيوف لحم» فأجابهم: «الحاضر لا يشكر وهذا الذي عندي وليس لكم علي ضربة لازم» وذهبوا إلى أحد القضاة وقال كل طرف حجته فقال القاضي: «أنا من عندي أن الخبز يقري وطلبكم اللحم عوج, حيث انكم لم تقدموا له لحما كي يسدكم», وحكم عليهم أن يعودوا ويأكلوا خبزهم.

وأحضر آخر لضيوفه خبزا فتعجبوا لأنه لم يحضر معه شيئا, فقال حين رأى اندهاشهم: «تعشوا أبو الزحيف, للوراء» فأكل بعضهم وأحجهم أخرون انتظار لأبي الزحيف, وغاب قليلا وأتى بحزمة حطب فأشعل لهم نارا فأخذوا يتدفؤون, ويتراجعون إلى الوراء من لهيبها, وسأله أحدهم متى ستحضر أبا الزحيف؟ فقال هو هو وأشار إلى النار.

ولم يتمكنوا من فلجه عند القاضي, إذا أقر القاضي وصف النار بهذا الوصف وقال: إن الرجل لم يكذب عليكم وأتى لكم بالنار التي يزحف الإنسان تجاهها إذا برد ثم يزحف مبتعدا عنها إذا أحس بالحرارة الجائرة.

إذا حضر للضيف خبز وغماس وأكل الضيف الخبز ولم يشبع عد هذا من بخل المضيف, أما إن كمل الغماس وبقي خبز كثير عد هذا من رداءة الضيف, فقيل «إن كمل الخبز من رداوة المحلي وإن كمل الغماس من هلافة الضيف».

وعلى المضيف أن لا يتحسر على ما أكل الضيف بل عليه أن يطيب به نفسا: «إن كمل عيشك ألحقه طيبة النفس» وفي الريف يقولون: «إن خلص زادك هني به» أي قل هنيئا مريئا.

ومن الأعراف أن يقول الضيف بعد الفراغ من الأكل إحدى العبارات التالية:« الله يخلف عليك خلفا ما يشخ» وعلى المضيف أن يجيب: «منازل الهنا» أو « مطرح ما يسري يمري»  «الله يجعله صحة وعافية» وعندما يلحون على الضيف ليأكل أكثر يجيب «الخير غلب» أو «الحمد لله» ومن الأقوال المأثورة في الضيف: «الضيف إن قعد أسير وإن قام شاعر «أي أنه سيحدث بما جرى له. وقالو في ذلك «اللي يسويه المحلي يخرف به الضيف».

لذا نراهم حريصين على إكرام الضيف والاحتفاء به كي يظل يذكرهم بخير.

وفي العادة أن يقول الضيف حين يوضع أمامه منسف اللحم «العادة يا محلي» ويناوله قطعة لحم كي يأخذوها إلى ربة البيت, فأما أن يقول «طالعة». أي يكون قد أرسل لها نصيبها وإما أن يتناول منه القطعة ويرسلها إلى المرأة. يحدث هذا فقط إن كان الطعام مجلوبا من بيت إلى آخر, أما إن كان من بيت المضيف (صاحب الديوان) نفسه فلا يتحدث عن ذلك.

وإذا لم يفعل الضيف ولم يرسل إلى المرأة شيء قد لا تبعث لهم طفلا بالصابون ليغسلوا بعد الطعام, وإذا طلب صابونة قيل له «صابون العرب لحاها». وعلى ذكر الصابون أنه من وقعت الصابونة من يده وتزحلقت على التراب يغرم ثمن الشاه التي ذبحت له, لذا ترى من يمسك بالصابونة ليغسل يده سرعان ما يناولها لآخر ليتخلص منها خشية أن تسقط من يده.

وهناك عادة من يسأل عن زعيم الضيوف إن كانوا كثر أو كبيرهم ليضع الرأس على المنسف أمامه وأحيانا يشهر المحلي أسم هذا الضيف بقوله «الله يحي فلانا والجميع» فيعلم من ذلك أن الذبيحة لمن ذكر اسمه أو وضع أمامه رأسها وهو المطالب بسدادها إذا اقتضى الأمر وقد يكون وضع الرأس على المنسف للدلالة أيضا على سن الشاه المذبوحة ومن عادة الأضياف أيضا أن يأكلوا أو يبدأوا الطعام معا وينتهوا معا إلا أن هناك من يتأخر كي يشبع لأنه في عرفهم من العيب أن يقوم الإنسان عن الطعام قبل الشبع بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بأن رفض بعضهم شهادة من قام عن الطعام وهو جائع وزادها أيضا لا يقبل كفله ولا تؤخذ بنته.

وكثير من أهل البادية لا يسخو على ذبح شاه لأهل بيته لكنه يذبح للضيف حتى لو استدان لذا يطرب أهل البيت لقدوم الضيف لأنهم يطردون قرمهم, وقالوا: «والله يرزقنا بضيف نتعشى في طرفه»و «الضيف في جنبه حريف».

فالضيف إذن يكره الضيف بينما صاحب البيت يكره جميع الضيوف لما يبذله من أجلهم من جهد وطعام. ومن تقاليدهم أن , الزاد قوماني «فيجب أكله بسرعة فور وصوله وكأنه القوم المغيرة التي على المرء أن يقابلهم بسرعة وجدية. ولا يجوز للمرء أن يقوم عن الطعام ثم يشاهد يأكل في مكان آخر أو عند حضور طعام جديد وهذا لا يقبل كفله ولا تؤخذ بنته وقالوا: «نص البطن يغني عن أملاها» وقالوا: «المحلي رباح» أي يستطيع أن يدبر نفسه فعليه أن يترك الضيف كي يشبع ومن ثم يأكل, إذ كثيرا ما يتدافع أهل النجع على الطعام ويأكلونه فيبقى الضيف جائعا وقيل: «من جاك في وهدك كبر جهدك» أي من أتاك في بيتك أجبرك على البذل وأصبحت ملزما بخدمته وتوفير حاجاته حتى لو كنت معدوما.

يحكي أن ضيفا أخذ يتنحنح حين أبطأ عليه العشاء, فقال له صاحب البيت «عشاك في الرحى عند مقصعات اللحى» أي ما زال عشاؤك يطحن في الرحى عند النساء باردات الذقون اللائي ليس في قلوبهن حرارة بل يعملن ببطء وتكاسل. ومن أقوالهم في الطعام: «بلها بالماء ولا بالريق» (أي بل اللقمة بالماء أفضل من بلها بالريق,اغمسها في الماء أفضل من أن تأكلها جافة). و«غب غب الجمال وقم قبل الرجال» و«الفت أحسن من التغاميس» و«إن أطعمت اشبع وإن ضربت أوجع» ومن أقوال أهل القرى: «من ذاق أكلك كلما شافك يتلمظ لك» و«أكلة وانحسبت عليك كل وبحلق عينيك».

ومن عادات الطعام: إما أن يأكل الضيوف وبعد أن يشبعوا يأكل المعازيب. أو يأكل مع الضيوف علية القوم لأنهم يشجعون الضيوف ويساعدونهم ويعرفون آداب الطعام ومن ثم يأكل باقي الحضور بعد فراغ الضيوف من طعامهم.

وفي العادة يوضع اللحم فوق الثريد ويقدم للأضياف وأحيانا يقدم الثريد بدون لحم ثم يؤتى باللحم ملفوفا بخبز أو بدون خبز ويعطى كل رجل قطعة لحم تسمى «حقة».

يبقى الضيف في حماية من نزل عندهم ويحيطونه بالرعاية, ولا يجوز لأحد منهم أن يعتدي عليه وإلا ركبه حق كبير, فقد حدث أن صفع ضيفا نزل في ديوان العشيرة لأن هذا الضيف  قد لطمه بيده في شجار نشب بينها ذات في ديوان العشيرة لأن هذا الضيف قد لطمه بيده في شجار نشب بيهما ذات مرة في السوق, فأخذ الناس يعيرون صافع الضيف وعشيرته كلها إلى اليوم رغم أن القاضي حكم على الصافع بأن تقطع يده أو تفدى بالمال.

وإذا سرق الضيف فعلى النازل عندهم أن يردوا له ما سرق منه أو يدفعوا له قيمة المسروق, أما إذا سرق الضيف شيئا من عند من نزل عندهم فعليه أن يرد الذي سرقه مربعا ويلحقه عار أبدي.

والبدو يسمون عصا الضيف بسمتهم فيعد كواحد ممن نزل عندهم وهم مطالبون برد ما سلب منه إذا ما تعرض لنهب أو سلب ويظل هذا الالتزام إلى أن يدخل في ديار قبيلة أخرى من زادهم.

وقد مسح أحد المعازيب محماس القهوة بطرف عباءة ضيف في ديوان القاضي أبي عقيل من العزازمة, فما كان من الضيف إلا أن خلع عباءته وكومها أمام راعي البيت وطالبه بحقه, فحكم له القاضي بمبلغ خمسة جنيهات على مدة اليد إلى العباءة وخمسة جنيهات على أرجاعها وأن يتكيس الماسح العباءة ويصطحب الضيف إلى السوق فيختار عباءة وعلى المعتدي أن يدفع ثمنها إلى التاجر.

وقالوا من الأمثال في الضيف «سلامة الضيف من حظ المحلي» وفي وصف بخيل« ما أحسنه ضيف وما أراده محلي» وعن الرجل التافه : «لا للضيف ولا للسيف ولا لعثرات الزمان» و«النار ولا المحلي الردي» (يشعل المرء يتدفأ عليها في الخلاء أفضل من النزول عند مضيف رديء) وقالوا تشجيعا للكرم: «اعزم والزم وأكل العيش نصيب».

ومن المأثور: ضاف بني زياد العبسيين ضيف, فلم يشعروا إلا وقد احتضن أمهم من خلفها, فرفه ذلك إلى ربيع بن زياد الكامل فقال: لا يضار الليلة عائد أمي, إنه عائد بحقويها.  


نظام العداية:

العداية هي أن يغير رجل على غنم سارح فيكسر رجل إحداها بسيفه ليضع الراعي أو صاحب الشياه تحت الأمر الواقع, ويأخذها ليقري حل بساحته وليس عنده غنم أو كانت أغنامه بعيدة بحيث لا يدركها قبل موعد الغداء أو العشاء وليس قريبا من سوق أو تاجر أغنام ليشتري منه ومن حق العادي أن يأخذ أي شاه ما عدا تيس الغنم أو كبشها,كما يحق للراعية أو الراعي الاحتفاظ بشاه ومنع العادي من أخذها وتسمى شاه الراعية. وعلى العادي أن يعرف الراعي بنفسه وغرضه, وعليه أن يعيد شاه مثل التي أخذها فور تمكنه من ذلك, وإذا تأخر يطالبه صاحب الغنم إلى السوق وهذا «يحتلي والعادي يشتري» (صاحب الغنم يختار والعادي يدفع الثمن), وإذا تأخر العادي في السداد عليه أن يحضر شاه ومعها جدي, ومن قوانين العداية أن الشاة إن كانت أنثى تعشر من السكين أي وقت ذبحها تعد عشراء أما إذا كانت عشراء فيعيدها بمولود من نزع ما وجد في رحمها ذكر أو انثى, أما إذا لم يكن الجنين مميزا بل كان مبهما عليه أن يخضع للقرعة فيعيد الشاة مع ابنها المحدد بالقرعة.

والعداية لا تتم إلا لضيف نازل أو من أجل «القود» (يقودها العادي لجار له احتفل بعرس أو طهور, وكان على العادي دين) وقد تكون العداية من أجل دواء لمريض حيث يسود الاعتقاد عند بعض القبائل أن شاة العداية تبري من ظهر على فمه ووجهه حبوب ناضجة ويشرب المريض من دم الشاة ثلاث جغمات ويأكل من لحمها ويشرب من مرقها كما أنهم يتحفظون بكرش شاة العدالة ويجففونها للتداوي بها.

والعداية تكون على الأغنام والماعز والإبل, ولا تكون على أغنام مربوطة في بيت, وإذا اعترض العادي من قبل صاحب الغنم فيحق للعادي أخذ شاة بالقوة لدرجة الضرب ولا إثم عليه وشبهوا العداية بغارة الذئب, إذ على العادي أن يغير بسرعة وينفذ مراده فقال الشارع الشعبي:

إن جوه ضيوفه يقربهم                          يا ذيب وع الغنم عادي

وقد يحتضر العادي راس الشاه التي عدا عليها إلى ديوان العشيرة ويشهد الحضور على سنها. المعد للطعام أن يخسر المتخلف عن الحضور ثمن الوليمة مربعا من عند القضاة, علاوة على وجوب إرضاء الحضور الذين انتظروا المتخلف ليشاركوه الطعام وقد عطلوا مصالحهم.

.................................
جمع الباحث حسام أبو العوايد العامري


ليست هناك تعليقات